مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٥٠١
ذِكْرِي
والمراد منه شدة انصرافهم عن قبول الحق، وأما الصمم فهو المراد من قوله : وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً يعني أن حالتهم أعظم من الصمم لأن الأصم قد يستطيع السمع إذا صيح به وهؤلاء زالت عنهم تلك الاستطاعة واحتج الأصحاب بقوله : وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً على أن الاستطاعة مع الفعل وذلك لأنهم لما لم يسمعوا لم يستطيعوا، قال القاضي : المراد منه نفرتهم عن سماع ذلك الكلام واستثقالهم إياه كقول الرجل :
لا أستطيع النظر إلى فلان.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١٠٢ إلى ١٠٦]
أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً (١٠٢) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (١٠٤) أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (١٠٥) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً (١٠٦)
[في قوله تعالى أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ] وفيه مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى لما بين من حال الكافرين أنهم أعرضوا عن الذكر وعن استماع ما جاء به الرسول أتبعه بقوله : أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ والمراد أفظنوا أنهم ينتفعون بما عبدوه مع إعراضهم عن تدبر الآيات وتمردهم عن قبول أمره وأمر رسوله وهو استفهام على سبيل التوبيخ.
المسألة الثانية : قرأ أبو بكر ولم يرفعه إلى عاصم : أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا بسكون السين ورفع الباء.
وهي من الأحرف التي خالف فيها عاصما، وذكر أنه قراءة أمير المؤمنين علي بن / أبي طالب، وعلى هذا التقدير فقوله : حسب مبتدأ، أن يتخذوا خبر، والمعنى أفكافيهم وحسبهم أن يتخذوا كذا وكذا، وأما الباقون فقرأوا فحسب على لفظ الماضي، وعلى هذا التقدير ففيه حذف والمعنى : أفحسب الذين كفروا اتخاذ عبادي أولياء نافعا.
المسألة الثالثة : في العباد أقوال قيل : أراد عيسى والملائكة، وقيل : هم الشياطين يوالونهم ويطيعونهم، وقيل : هي الأصنام سماهم عبادا كقوله : عِبادٌ أَمْثالُكُمْ، ثم قال تعالى : إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا وفي النزل قولان : الأول : قال الزجاج إنه المأوى والمنزل. والثاني : أنه الذي يقام للنزيل وهو الضيف، ونظيره قوله : فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ ثم ذكر تعالى ما نبه به على جهل القوم فقال : قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا قيل إنهم هم الرهبان كقوله تعالى : عامِلَةٌ ناصِبَةٌ [الغاشية : ٣] وعن مجاهد أهل الكتاب وعن علي أن ابن الكواء سأله عنهم فقال : هم أهل حروراء والأصل أن يقال هو الذي يأتي بالأعمال يظنها طاعات وهي في أنفسها معاصي وإن كانت طاعات لكنها لا تقبل منهم لأجل كفرهم فأولئك إنما أتوا بتلك الأعمال لرجاء الثواب، وإنما أتعبوا أنفسهم فيها لطلب الأجر والفوز يوم القيامة فإذا لم يفوزوا بمطالبهم بين أنهم كانوا ضالين، ثم إنه تعالى بين صنعهم فقال : أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وفيه مسألتان :


الصفحة التالية
Icon