مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٥٠٢
المسألة الأولى : لقاء اللّه عبارة عن رؤيته بدليل أنه يقال : لقيت فلانا أي رأيته، فإن قيل : اللقاء عبارة عن الوصول، قال تعالى : فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ [القمر : ١٢] وذلك في حق اللّه تعالى محال، فوجب حمله على لقاء ثواب اللّه، والجواب أن لفظ اللقاء، وإن كان في الأصل عبارة عن الوصول والملاقاة إلا أن استعماله في الرؤية مجاز ظاهر مشهور، والذي يقولونه من أن المراد منه لقاء ثواب اللّه فهو لا يتم إلا بالإضمار، ومن المعلوم أن حمل اللفظ على المجاز المتعارف المشهور أولى من حمله على ما يحتاج معه إلى الإضمار.
المسألة الثانية : استدلت المعتزلة بقوله تعالى : فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ على أن القول بالإحباط والتكفير حق، وهذه المسألة قد ذكرناها بالاستقصاء في سورة البقرة فلا نعيدها، ثم قال تعالى : فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً وفيه وجوه. الأول : أنا نزدري بهم وليس لهم عندنا وزن ومقدار. الثاني : لا نقيم لهم ميزانا لأن الميزان إنما يوضع لأهل الحسنات والسيئات من الموحدين لتمييز مقدار الطاعات ومقدار السيئات. الثالث : قال القاضي : إن من غلبت معاصيه صار ما في فعله من الطاعة كأن لم يكن فلا يدخل في الوزن شيء من طاعته.
وهذا التفسير بناء على قوله بالإحباط والتكفير، ثم قال تعالى : ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ فقوله : ذلِكَ أي ذلك الذي ذكرناه وفصلناه من أنواع الوعيد هو جزاؤهم على أعمالهم الباطلة، وقوله : جَهَنَّمُ عطف بيان لقوله : جَزاؤُهُمْ ثم بين تعالى أن ذلك الجزاء جزاء على مجموع أمرين : أحدهما : كفرهم. الثاني : أنهم أضافوا إلى / الكفر أن اتخذوا آيات اللّه واتخذوا رسله هزوا، فلم يقتصروا على الرد عليهم وتكذيبهم حتى استهزءوا بهم.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١٠٧ إلى ١٠٨]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (١٠٧) خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً (١٠٨)
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى لما ذكر الوعيد أتبعه بالوعد، ولما ذكر في الكفار أن جهنم نزلهم، أتبعه بذكر ما يرغب في الإيمان والعمل الصالح. فقال : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا.
المسألة الثانية : عطف عمل الصالحات على الإيمان والمعطوف مغاير للمعطوف عليه وذلك يدل على أن الأعمال الصالحة مغايرة للإيمان.
المسألة الثالثة : عن قتادة الفردوس وسط الجنة وأفضلها، وعن كعب ليس في الجنان أعلى من جنة الفردوس، وفيها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، وعن مجاهد الفردوس هو البستان بالرومية، وعن النبي صلّى اللّه عليه وسلم أنه قال :«الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين مسيرة مائة عام والفردوس أعلاها درجة، ومنها الأنهار الأربعة والفردوس من فوقها، فإذا سألتم اللّه الجنة فاسألوه الفردوس فإن فوقها عرش الرحمن ومنها تتفجر أنهار الجنة».
المسألة الرابعة : قال بعضهم إنه تعالى جعل الجنة بكليتها نزلا للمؤمنين والكريم إذا أعطى النزل أولا فلا