مفاتيح الغيب، ج ٢٢، ص : ١٣
الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ
[إبراهيم : ٢٧] هو لا إله إلا اللَّه : وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ [إبراهيم : ٢٧] عن قول لا إله إلا اللَّه. وثالثها :
أن موسى بن عمران عليه السلام قال :«يا رب علمني شيئا أذكرك به، قال : قل لا إله إلا اللَّه قال كل عبادك يقولون لا إله إلا اللَّه! فقال : قل لا إله إلا اللَّه قال إنما أردت شيئا تحصني به! قال يا موسى لو أن السموات السبع ومن فيهن في كفة ولا إله إلا اللَّه في كفة لمالت بهن لا إله إلا اللَّه».
البحث الرابع : في إعرابه قالوا كلمة لا هاهنا دخلت على الماهية، فانتفت الماهية، وإذا انتفت الماهية انتفت كل أفراد الماهية. وأما اللَّه فإنه اسم علم للذات المعينة إذ لو كان اسم معنى لكان كلها محتملا للكثرة فلم تكن هذه الكلمة مفيدة للتوحيد، فقالوا : لا استحقت عمل أن لمشابهتها لها من وجهين، أحدهما : ملازمة الأسماء، والآخر تناقضهما فإن أحدهما لتأكيد الثبوت والآخر لتأكيد النفي، ومن عادتهم تشبيه أحد الضدين بالآخر في الحكم، إذا ثبت هذا فنقول لما قالوا : إن زيدا ذاهب كان يجب أن يقولوا لا رجلا ذاهب إلا أنهم بنوا لا مع ما دخل عليه من الاسم المفرد على الفتح، أما البناء فلشدة اتصال حرف النفي بما دخل عليه كأنهما صارا اسما واحدا، وأما الفتح فلأنهم قصدوا البناء على الحركة المستحقة توفيقا بين الدليل الموجب للإعراب والدليل الموجب للبناء. الثاني : خبره محذوف والأصل لا إله في الوجود ولا حول ولا قوة لنا وهذا يدل على أن الوجود زائد على الماهية.
البحث الخامس : قال بعضهم تصور الثبوت مقدم على تصور السلب، فإن السلب ما لم يضف إلى الثبوت لا يمكن تصوره فكيف قدم هاهنا السلب على الثبوت. وجوابه : أنه لما كان هذا السلب من مؤكدات الثبوت لا جرم قدم عليه. القسم الثاني : من الكلام في الآية البحث عن أسماء اللَّه تعالى وفيه أبحاث :
البحث الأول :
قال عليه السلام :«إذا كان يوم القيامة نادى مناد أيها الناس أنا جعلت لكم نسبا وأنتم جعلتم لأنفسكم نسبا، أنا جعلت أكرمكم عندي أتقاكم وأنتم جعلتم أكرمكم أغناكم فالآن أرفع نسبي وأضع نسبكم، أين المتقون الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون!»،
واعلم أن الأشياء في قسمة العقول على ثلاثة أقاسم : كامل لا يحتمل النقصان، وناقص لا يحتمل الكمال، وثالث يقبل الأمرين، أما الكامل الذي لا يحتمل النقصان فهو اللَّه تعالى وذلك في حقه بالوجوب الذاتي وبعده الملائكة فإن من كمالهم أنهم : لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ [التحريم : ٦] ومن صفاتهم أنهم : عِبادٌ مُكْرَمُونَ [الأنبياء : ٢٦] ومن / صفاتهم أنهم يستغفرون للذين آمنوا، وأما الناقص الذي لا يحتمل الكمال فهو الجمادات والنبات والبهائم، وأما الذي يقبل الأمرين جميعا فهو الإنسان تارة يكون في الترقي بحيث يخبر عنه بأنه فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر : ٥٥] وتارة في التسفل بحيث يقال : ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ [التين : ٥] وإذا كان كذلك استحال أن يكون الإنسان كاملا لذاته، وما لا يكون كاملا لذاته استحال أن يصير موصوفا بالكمال إلى أن يصير منتسبا إلى الكامل لذاته.
لكن الانتساب قسمان : قسم يعرض للزوال وقسم لا يكون يعرض للزوال. أما الذي يكون يعرض للزوال، فلا فائدة فيه ومثاله الصحة والمال والجمال، وأما الذي لا يكون يعرض للزوال فعبوديتك للَّه تعالى فإنه كما يمتنع زوال صفة الإلهية عنه يمتنع زوال صفة العبودية عنك فهذه النسبة لا تقبل الزوال، والمنتسب إليه وهو الحق سبحانه لا يقبل الخروج عن صفة الكمال. ثم إذا كنت من بلد أو منتسبا إلى قبيلة فإنك لا تزال تبالغ في مدح تلك البلدة والقبيلة بسبب ذلك الانتساب العرضي فلأن تشتغل بذكر اللَّه تعالى ونعوت كبريائه بسبب الانتساب