مفاتيح الغيب، ج ٢٥، ص : ٢٠٥
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٢٤]
قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤)
ثم قال تعالى : قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قد ذكرنا مرارا أن العامة يعبدون اللّه لا لكونه إلها، وإنما يطلبون به شيئا، وذلك إما دفع ضرر أو جر نفع فنبه اللّه تعالى العامة بقوله : قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ [سبأ : ٢٢] على أنه لا يدفع الضر أحد إلا هو كما قال تعالى : وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وقال بعد إتمام بيان ذلك قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إشارة إلى أن جر النفع ليس إلا به ومنه، فإذا إن كنتم من الخواص فاعبدوه لعلوه وكبريائه سواء دفع عنكم ضرا أو لم يدفع وسواء نفعكم بخير أو لم ينفع فإن لم تكونوا كذلك فاعبدوه لدفع الضر وجر النفع.
ثم قال تعالى : قُلِ اللَّهُ يعني إن لم يقولوا هم فقل أنت اللّه يرزق وهاهنا لطيفة : وهي أن اللّه تعالى عند الضر ذكر أنهم يقولون اللّه ويعترفون بالحق حيث قال : قالُوا الْحَقَّ وعند النفع لم يقل إنهم يقولون ذلك وذلك لأن لهم حالة يعترفون بأن كاشف الضر هو اللّه حيث يقعون في الضر كما قال تعالى : وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ [الروم : ٣٣] وأما عند الراحة فلا تنبه لهم لذلك فلذلك قال : قُلِ اللَّهُ أي هم في حالة الراحة غافلون عن اللّه.
ثم قال تعالى : وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : هذا إرشاد من اللّه لرسوله إلى المناظرات الجارية في العلوم وغيرها وذلك لأن أحد المتناظرين إذا قال للآخر هذا الذي تقوله خطأ وأنت فيه مخطئ يغضبه وعند الغضب لا يبقى سداد الفكر وعند اختلاله لا مطمع في الفهم فيفوت الغرض، وأما إذا قال له بأن أحدنا لا يشك في أنه مخطئ والتمادي في الباطل قبيح والرجوع إلى الحق أحسن الأخلاق فنجتهد ونبصر أينا على الخطأ ليحترز فإنه يجتهد ذلك الخصم في النظر ويترك التعصب وذلك لا يوجب نقصا في المنزلة لأنه أوهم بأنه في قوله شاك ويدل عليه قول اللّه تعالى لنبيه : وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ مع أنه لا يشك في أنه هو الهادي وهو المهتدي وهم الضالون والمضلون.
المسألة الثانية : في قوله : لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ذكر في الهدى كلمة على وفي الضلال كلمة في لأن المهتدي كأنه مرتفع متطلع فذكره بكلمة التعلي، والضال منغمس في الظلمة غريق فيها فذكره بكلمة في.
المسألة الثالثة : وصف الضلال بالمبين ولم يصف الهدى لأن الهدى هو الصراط المستقيم الموصل إلى الحق والضلال خلافه لكن المستقيم واحد وما هو غيره كله ضلال وبعضه بين من بعض، فميز البعض عن البعض بالوصف.
المسألة الرابعة : قدم الهدى على الضلال لأنه كان وصف المؤمنين المذكورين بقوله : إِنَّا وهو مقدم في الذكر. ثم قال تعالى :
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٢٥]
قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٢٥)


الصفحة التالية
Icon