مفاتيح الغيب، ج ٢٥، ص : ٢٠٦
أضاف الإجرام إلى النفس وقال في حقهم : وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ذكر بلفظ العمل لئلا يحصل الإغضاب المانع من الفهم وقوله : لا تُسْئَلُونَ ولا نُسْئَلُ زيادة حث على النظر وذلك لأن كل أحد إذا كان مؤاخذا بجرمه فإذا احترز نجا، ولو كان البريء يؤاخذ بالجرم لما كفى النظر.
ثم قال تعالى :
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٢٦]
قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (٢٦)
أكد ما يوجب النظر والتفكر، فإن مجرد الخطأ والضلال واجب الاجتناب، فكيف إذا كان يوم عرض وحساب وثواب وعذاب وقوله : يَفْتَحُ قيل معناه يحكم، ويمكن أن يقال بأن الفتح هاهنا مجاز وذلك لأن الباب المغلق والمنفذ المسدود يقال فيه فتحه على طريق الحقيقة. ثم إن الأمر إذا كان فيه انغلاق وعدم وصول إليه فإذا بينه أحد يكون قد فتحه وقوله : وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ إشارة إلى أن حكمه يكون مع العلم لا مثل حكم من يحكم بما يتفق له بمجرد هواه.
ثم قال تعالى :
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٢٧]
قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧)
قد ذكرنا أن المعبود قد يعبده قوم لدفع الضرر وجمع لتوقع المنفعة وقليل من الأشراف الأعزة يعبدونه لأنه يستحق العبادة لذاته فلما بين أنه لا يعبد غير اللّه لدفع الضرر إذ لا دافع للضرر غيره بقوله : قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وبين أنه لا يعبد غير اللّه لتوقع المنفعة بقوله : قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بين هاهنا أنه لا يعبد أحد لاستحقاقه العبادة غير اللّه فقال : قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أي هو المعبود لذاته واتصافه بالعزة وهي القدرة الكاملة والحكمة وهي العلم التام الذي عمله موافق له. ثم قال تعالى :
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٢٨]
وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٨)
لما بين مسألة التوحيد شرع في الرسالة فقال تعالى : وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً وفيه وجهان أحدها : كافة أي إرسالة كافة أي عامة لجميع الناس تمنعهم من الخروج عن الانقياد لها والثاني : كافة أي أرسلناك كافة تكف الناس أنت من الكفر والهاء للمبالغة على هذا الوجه بَشِيراً أي تحثهم بالوعد وَنَذِيراً تزجرهم بالوعيد وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ذلك لا لخفائه ولكن لغفلتهم.
[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٢٩ إلى ٣٠]
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٩) قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (٣٠)
ثم قال تعالى : وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ لما ذكر الرسالة بين الحشر.
وقال : قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ قد ذكرنا في سورة الأعراف أن قوله :
لا تَسْتَأْخِرُونَ يوجب الإنذار، لأن معناه عدم المهلة عن الأجل ولكن الاستقدام ما وجهه؟ وذكرنا هناك


الصفحة التالية
Icon