مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ٨٠
الكبائر، والترجيح لهذا الجانب، لأن دليلهم لا بد وأن يتناول جميع الفجار في جميع الأوقات، وإلا لم يحصل مقصودهم، ودليلنا يكفي في صحته تناوله لبعض الفجار في بعض الأوقات، فدليلهم لا بد وأن يكون عاما، ودليلنا لا بد وأن يكون خاصا والخاص مقدم على العام، واللّه أعلم.
المسألة الثانية : فيه تهديد عظيم للعصاة حكي أن سليمان بن عبد الملك مر بالمدينة وهو يريد مكة، فقال لأبي حازم : كيف القدوم على اللّه غدا؟ قال : أما المحسن فكالغائب يقدم من سفره على أهله، وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه، قال : فبكى، ثم قال : ليت شعري ما لنا عند اللّه! فقال أبو حازم : أعرض عملك على كتاب اللّه، قال : في أي مكان من كتاب اللّه؟ قال : إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ وقال جعفر الصادق عليه السلام : النعيم المعرفة والمشاهدة، والجحيم ظلمات الشهوات
وقال بعضهم : النعيم القناعة، والجحيم الطمع، وقيل : النعيم التوكل، والجحيم الحرص، وقيل : النعيم الاشتغال باللّه، والجحيم الاشتغال بغير اللّه تعالى. النوع الرابع : من تفاريع الحشر تعظيم يوم القيامة، وهو قوله تعالى :
[سورة الانفطار (٨٢) : الآيات ١٧ إلى ١٩]
وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩)
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : اختلفوا في الخطاب في قوله : وَما أَدْراكَ فقال بعضهم : هو خطاب للكافر على وجه الزجر له، وقال الأكثرون : إنه خطاب للرسول، وإنما خاطبه بذلك لأنه ما كان عالما بذلك قبل الوحي.
المسألة الثانية : الجمهور على أن التكرير في قوله : وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ لتعظيم ذلك اليوم، وقال الجبائي : بل هو لفائدة مجددة، إذ المراد بالأول أهل النار، والمراد بالثاني أهل الجنة، كأنه قال : وما أدراك ما يعامل به الفجار في يوم الدين؟ ثم ما أدراك ما يعامل به الأبرار في يوم الدين؟ وكرر يوم الدين تعظيما لما يفعله تعالى من الأمرين بهذين الفريقين.
المسألة الثالثة : في : يَوْمَ لا تَمْلِكُ قراءتان الرفع والنصب، أما الرفع ففيه وجهان أحدهما : على البدل من يوم الدين والثاني : أن يكون بإضمار هو فيكون المعنى هو يوم لا تملك، وأما النصب ففيه وجوه أحدها :
بإضمار يدانون لأن الدين يدل عليه وثانيها : بإضمار اذكروا وثالثها : ما ذكره الزجاج يجوز أن يكون في موضع رفع إلا أنه يبنى على الفتح لإضافته إلى قوله : لا تَمْلِكُ وما أضيف إلى غير المتمكن قد يبنى على الفتح، وإن كان في موضع رفع أو جر كما قال :
لم يمنع الشرب منهم غير أن نطقت حمامة في غصون ذات أو قال
فبنى غير على الفتح لما أضيف إلى قوله إن نطقت، قال الواحدي : والذي ذكره الزجاج من البناء على الفتح إنما يجوز عند الخليل وسيبويه، إذا كانت الإضافة إلى الفعل الماضي، نحو قولك على حين عاتبت، أما مع الفعل المستقبل، فلا يجوز البناء عندهم، ويجوز ذلك في قول الكوفيين، وقد ذكرنا هذه المسألة عند قوله :
هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ [المائدة : ١١٩] ورابعها : ما ذكره أبو علي وهو أن اليوم لما جرا في أكثر


الصفحة التالية
Icon