يماسها وعليه مهر المثل إن دخل بها، والمتعة إن لم يدخل بها. وسوق المهر إليها عاجلا أفضل من أن يسميه ويؤجله، وكان التعجيل ديدن السلف وسنتهم، وما لا يعرف بينهم غيره، وكذلك الجارية إذا كانت سبية مالكها، وخطبة سيفه ورمحه، ومما غنمه اللّه من دار الحرب أحل وأطيب مما يشترى من شق الجلب. والسبي على ضربين : سبى طيبة، وسبى خبثة، فسبى الطيبة :
ما سبى من أهل الحرب. وأما من كان له عهد فالمسبى منهم سبى خبثة، ويدل عليه قوله تعالى مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ لأن فيء اللّه لا يطلق إلا على الطيب دون الخبيث، كما أنّ رزق اللّه يجب إطلاقه على الحلال دون الحرام «١»، وكذلك اللاتي هاجرن مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من قرائبه غير المحارم أفضل من غير المهاجرات معه. وعن أم هانى بنت أبى طالب : خطبنى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فاعتذرت إليه فعذرنى، ثم أنزل اللّه هذه الآية، فلم أحلّ له، لأنى لم أهاجر معه، كنت من الطلقاء «٢». وأحللنا لك من وقع لها أن تهب لك نفسها ولا تطلب مهرا من النساء المؤمنات إن اتفق ذلك، ولذلك نكرها. واختلف في اتفاق ذلك، فعن ابن عباس رضى اللّه عنهما : لم يكن عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أحد منهنّ بالهبة. وقيل الموهوبات أربع :
ميمونة بنت الحرث، وزينب بنت خزيمة أمّ المساكين الأنصارية، وأمّ شريك بنت جابر، وخولة بنت حكيم - رضى اللّه عنهن. قرئ إِنْ وَهَبَتْ على الشرط. وقرأ الحسن رضى اللّه عنه إِنْ بالفتح، على التعليل بتقدير حذف اللام. ويجوز أن يكون مصدرا محذوفا معه الزمان، كقولك : اجلس ما دام زيد جالسا، بمعنى وقت دوامه جالسا، ووقت هبتها نفسها. وقرأ ابن مسعود بغير أن. فإن قلت : ما معنى الشرط الثاني مع الأوّل؟ قلت : هو تقييد له شرط في الإحلال هبتها نفسها، وفي الهبة : إرادة استنكاح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، كأنه قال : أحللناها لك إن وهبت لك نفسها وأنت تريد أن تستنكحها، لأنّ إرادته هي قبول الهبة وما به تتم. فإن قلت : لم عدل عن الخطاب إلى الغيبة في قوله تعالى نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ ثم رجع إلى الخطاب؟ قلت :
للإيذان بأنه مما خص به وأوثر، ومجيئه على لفظ النبي للدلالة على أن الاختصاص تكرمة له لأجل النبوّة، وتكريره تفخيم له وتقرير لاستحقاقه الكرامة لنبوته. واستنكاحها : طلب نكاحها والرغبة فيه، وقد استشهد به أبو حنيفة على جواز عقد النكاح بلفظ الهبة : لأنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأمّته سواء في الأحكام إلا فيما خصه الدليل، وقال الشافعي : لا يصح، وقد خص رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بمعنى الهبة ولفظها جميعا لأنّ اللفظ تابع للمعنى، والمدعى
(١). قوله «كما أن رزق اللّه يجب إطلاقه على الحلال» هذا عند المعتزلة. أما أهل السنة فيطلقونه على القسمين. (ع)
(٢). أخرجه الترمذي والحاكم وابن أبى شيبة وإسحاق والطبري والطبراني وابن أبى حاتم كلهم من رواية السدى عن أبى صالح عنها