وحقيقته على ما قال الزمخشري: قَلَقُ النفس واضطرابُها، ومنه الحديث: "دَعْ ما يَريبك إلى ما لا يَريبك"، وأنه مَرَّ بظبي خائف فقال: "لا يُرِبْهُ أحد" فليس قول من قال: "الريبُ الشكُّ مطلقاً" بجيدٍ، بل هو أخصُّ من الشكِّ، كما تقدَّم.
وقال بعضهم: في الريب ثلاثةُ معانٍ، أحدُها: الشكُّ. قال ابن الزبعري:
١٠٥- ليسَ في الحقِ يا أميمةُ رَيْبٌ
وثانيها التهمةُ: قال جميل بثينة:
١٠٦- بُثَيْنَةُ قالت: يا جميلُ أَرَبْتَني * فقلت: كلانا يابُثَيْنُ مُريبُ
وثالثها الحاجةُ، قال:
١٠٧- قََضيْنا من تِهامةَ كلَّ ريبٍ * وخَيْبَرَ ثم أَجْمَعْنا السيوفا
وقوله: ﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ يجوز فيه عدةُ أوجهٍ، أن يكونَ مبتدأ وخبرُه "فيه" متقدماً عليه إذا قلنا: إنَّ خبرَ "لا" محذوف، وإنْ قلنا "فيه" خبرُها كان خبرُه محذوفاً مدلولاً عليه بخبر "لا" تقديره: لا ريبَ فيه، فيه هدىً، وأن يكونَ خبرَ مبتدأ مضمرٍ تقديرُه هو هُدًى، وأن يكونَ خبراً ثانياً لـ "ذلك"، على أن "الكتاب" صفة أو بدلٌ أو بيان، و "لا ريب" خبرٌ أول، وأن يكون خبراً ثالثاً لـ "ذلك"، على أن يكون الكتاب" خبراً أول و "لا ريبَ" خبراً ثانياً، وأن يكونَ منصوباً على الحال من "ذلك" أو من "الكتاب" والعاملُ "فيه"، على كلا التقديرين اسمُ الإشارةِ، وأن يكونَ حالاً ومن الضمير في "فيه"، والعاملُ ما في الجار والمجرور من معنى الفعل، وجَعْلُه حالاً ممَّا تقدَّم: إمَّا على المبالغة، كأنه نفس الهدى، أو على حذف كلُّ مصدرٍ وقع خبراً أو صفة أو حالاً فيه الأقوالُ الثلاثةُ أرجحُها الأولُ. وأجازوا أن يكونَ "فيه" صفةً لريب فيتعلَّقَ بمحذوفٍ، وأن يكونَ متعلقاً بريب، وفيه إشكالٌ، لأنه يَصير مُطَوَّلاً، واسمُ "لا" إذا كان مطولاً أُعرِب، إلا أَنْ يكونَ مُرادُهم أنه معمولٌ لِما دَلَّ عليه "ريبَ" لا لنفس "ريب".
(١/٥٦)
---


الصفحة التالية
Icon