وقد تقدَّم معنى "الهدى" عند قوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ و "هُدَى" مصدرٌ على فُعَل، قالوا: ولم يَجيءْ من هذا الوزن في المصادر إلا: سُرى وبُكى وهُدى، وقد جاء غيرُها، وهو: لَقِيْتُه لُقَى، قال:
١٠٨- وقد زعموا حِلْماً لُفقاك ولم أَزِدْ * بحمدِ الذي أَعْطَاك حَلْماً ولا عَقْلا
والهُدى فيه لغتان: التذكير، ولم يَذْكُرِ اللِّحياني غيرَه، وقال الفراء: "بعضُ بني أسد يؤنِّثُه فيقولون: هذه هدىً".
و "في" معناها الظرفية حقيقةً أو مجازاً، نحو: زيدٌ في الدار، ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ ولها معانٍ أُخَرُ: المصاحَبَةَ نحو: ﴿ادْخُلُواْ فِيا أُمَمٍ﴾ والتعليلُ: "إنَّ امرأةً دخلتِ النارَ في هرة"، وموافقةُ "على": ﴿وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ والباء: ﴿يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ﴾ أي بسببه، والمقايَسَةُ: ﴿فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ
. والهاء في "فيه" أصلُها الضمُّ كما تقدَّم من أنَّ هاءَ الكنايةِ أصلُها الضمُّ، فإنْ تَقَدَّمها ياءٌ ساكنةٌ أو كسرةٌ كَسَرَها غيرُ الحجازيين، وقد قرأ حمزة: "لأهلهُ امكثوا" وحفص في "عاهد عليهُ الله"، "وما أنسانيهُ إلا" بلغةِ الحجاز، والمشهورُ فيها -إذا لم يَلِها ساكنٌ وسَكَنَ ما قبلها نحو: فيه ومنه -الاختلاسُ، ويجوز الإشباعُ، وبه قرأ ابن كثير، فإنْ تحرَّك ما قبلها أُشْبِعَتْ، وقد تُخْتَلَسُ وتُسَكَّن، وقرئ ببعضِ ذلك كما سيأتي مفصلاً.
(١/٥٧)
---


الصفحة التالية
Icon