ولأنه الملقي للنبي - ﷺ - ألفاظ لقرآن الكريم: فقد باتت مسألة التلقي منه مصدر مرجعي بدهي في أوساط الأمة: يُرْجَعُ إلى طرقها عند الاختلاف، ويُحْتَجُ بثبوت النقل عنها عند التعليم، فعن الأعمش قال: سمعت الحجاج بن يوسف يقول وهو يخطب على المنبر: ألفوا القرآن كما ألفه جبريل - عليه السلام - السورة التي تذكر فيها البقرة، والسورة التي تذكر فيها النساء، والسورة التي يذكر فيها آل عمران، قال: فلقيت إبراهيم (١)، فأخبرته بقوله، فسبه، ثم قال: حدثني عبد الرحمن بن يزيد أنه كان مع عبد الله بن مسعود، فأتى جمرة العقبة، فاستبطن الوادي، فاستعرضها، فرماها من بطن الوادي بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، إن الناس يرمونها من فوقها، فقال: هذا - والذي لا إله غيره - مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة (٢).
و(التأليف) في قول الحجاج: هل هو الترتيب كما هو أصل معنى الكلمة، أم أنه تسمية السور كما يظهر من السياق ؟ وعلى كلٍ فإن كان هذا في محله، أو في تسمية سوره، فكيف في وضعه وهيئات نطقه ؟ والشاهد واضح من الإسناد إلى جبريل - عليه السلام -.
فإن اعتُرض معترض بآيتي خاتمة البقرة؛ إذ أنزلهما ملك غير جبريل - عليه السلام - ؟فعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: بينما جبريل - عليه السلام - قاعد عند النبي - ﷺ - سمع نقيضاً من فوقه، فرفع رأسه، فقال: (هذا باب من السماء فتح اليوم، لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم، وقال: أبشر بنورين أوتيتهما، لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته) (٣).

(١) يعني: إبراهيم النخعي.
(٢) رواه مسلم ٢/٩٤٢، مرجع سابق.
(٣) السنن الكبرى للنسائي ٥/ ١٢، مرجع سابق.


الصفحة التالية
Icon