فالجواب: إما أن يكون أنزلهما بعد نزولهما، أي تكرر النزول للاهتمام أو لأمر آخر، وإما أن النزول كان للفضل لا للإنزال ذاته، ويدل لهذا أنه لا مراء في نزول الفاتحة قبل ذلك في مكة، وواضح أن الحادثة في المدينة إذ قد صرح متتبعوا النزول بأن نزول البقرة كان في المدينة (١).
ووجه ثالث هو أن الواسطة بين الملك والرسول - ﷺ - كان جبريل - عليه السلام - فيرجع الوحي هنا إليه، كحادثة الإسراء، وهذا الوجه يتعدى هذه الحادثة إلى كل حادثة جاء فيها ملك آخر مع جبريل - عليه السلام - كحديث طوفانه - ﷺ - في ليلة على بعض المعذبين من أمته (٢).
عداوة جبريل - عليه السلام - مقياس مطلق لعداوة الله –تعالى ذكره-:
ولما سبق كان التشديد، والإفزاع الأكيد للعقل والعاطفة من مجرد التفكير في الكلام على جبريل - عليه السلام -، أو عدائه؛ إذ صار مقياساً مطلقاً لعداوة الله ورسله وملائكته، ولذا كان قوله - عز وجل - ﴿ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ ﴾ "البقرة/٩٨" عقب قوله - سبحانه وتعالى - ﴿ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ ﴾ "البقرة/٩٧"، فعداوتهم لله - عز وجل - بمنزلة المقدمة الكبرى؛ لأنها العلة في المعنى عند التأمل، وعداوتهم لرسوله جبريل - عليه السلام - بمنزلة المقدمة الصغرى لأنها السبب الجزئي المثبت (٣).

(١) انظر: الإتقان ١/٢٠، مرجع سابق، إتقان البرهان في علوم القرآن ١/٣٧٨، مرجع سابق.
(٢) رواه البخاري ٦/٣١٢٢، مرجع سابق، ونحو ما رواه البخاري في صحيحه ٣/١١٨٢ عن سمرة قال: قال النبي - ﷺ - :(رأيت الليلة رجلين أتياني... قالا: الذي يوقد النار مالك خازن النار، وأنا جبريل وهذا ميكائيل). وظاهرٌ أن المُعَرِّفَ هو جبريل - عليه السلام -.
(٣) انظر: التحرير والتنوير ١/٦٢٣، مرجع سابق.


الصفحة التالية
Icon