... وحتى لا يتهم النبي - ﷺ - بالاتصال بالشياطين، أو بالفيض الفلسفي الذاتي من خلال الاستيحاش بالناس، والاستئناس بالخلوة؛ إذ ذاك مظنة لهما – فإن من أبرز الحقائق التي صاحبت خلوته - ﷺ - أنه لم يكن مبتدعها في قريش، بل كانت تلك عادة متأصلة فيهم، فإن الزمن الذي كان يخلو فيه كان شهر رمضان (١)، وكانت قريش تفعله، كما كانت تصوم عاشوراء، وهم لم ينازعوا النبي - ﷺ - في غار حراء، مع مزيد الفضل فيه على غيره؛ لأن جده عبد المطلب أول من كان يخلو فيه من قريش، وكان يعظمونه لجلالته، وكبر سنه، فتبعه على ذلك من كان يتأله، فكان - ﷺ - يخلو بمكان جده، وسلم له ذلك أعمامه لكرامته عليهم (٢).
وهل كان النبي - ﷺ - متوقعاً للوحي بعد ظهور هذه العلامات كما يدل له كلام البلقيني، أم لا لشاهد فزعه، ولقول عائشة-رضي الله تعالى عنها-: فجئه الحق، وأيده النووي... ؟. قال ابن حجر: الظاهر أن الأولى: ترك الجزم بأحد الأمرين (٣)، ولكن قوله تعالى: ﴿ وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ﴾ "القصص/٨٦" ظاهرٌ في نفي أن يكون النبي - ﷺ - كان يتوقع شيئاً من الوحي.
المطلب الثاني: التهيئة البشرية للوحي:
(٢) انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري ١/ ١٣، مرجع سابق.
(٣) انظر: فتح الباري ١٢/٣٥٦، مرجع سابق.