فكما أن الله - عز وجل - أمر جبريل - عليه السلام - ومن أعانه من الملائكة بتهيئة النبي - ﷺ - تهيئة إلهية مما هو خارج عن نطاق القدرة البشرية، فقد كان النبي - ﷺ - يهيئ نفسه ومحيطه تهيئة يلهمها الله - عز وجل - له بطريق من طرق الوحي لكيما يتلقى الوحي الذي يأتيه متتابعاً قرآناً كان أو غيره وهذه التهيئة نوعان:
أ - التهيئة الذاتية: ويشير إليها ملمحان:
أولهما: معالجته الشدة في تلقي القرآن كما سيأتي في حديث المعالجة (١) ؛ وما تلك المعالجة إلا لما أراد النبي - ﷺ - أن يبذله من طاقة مستطاعة لحفظ القرآن الكريم، بعد أن أخبر بثقله في قوله - سبحانه وتعالى - ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاَ ﴾ "المزمل/٥ "، فكأن هذه الآية كانت داعية تهيئته لتلقي لفظ القرآن الكريم.
وثانيهما: اجتنابه - ﷺ - للثوم ونحوها، مما تتأذى منه الملائكة، وعندما يخاف أن تظن أمته حرمتها يبين لهم العلة، وجاء بعض الصحابة رسولَ الله - ﷺ - بمرقة بقر فيها ثوم، فوجد رسول الله - ﷺ - ريح الثوم فقال:(أخرجها) قال: لم يا رسول الله ؟ ! أحرام ؟ فقال: (لا، ولكن جبريل - عليه السلام - يناجيني) (٢).
وعلل الشافعي-رحمه الله تعالى- ذلك بقوله:"... امتنع من أكل الضب؛ لأنه عافه، لا لأنه حرمه، وقد امتنع من أكل البقول ذوات الريح لأن جبريل - عليه السلام - يكلمه" (٣).
ب-التهيئة البيئية: لمحيطه الذي يتلقى فيه الوحي:

(١) انظر: الفصل الثالث -المبحث السادس من هذه الدراسة.
(٢) (الطبراني) أبو القاسم مسند الدنيا سليمان بن أحمد بن أيوب: المعجم الكبير ٢/٤٥٦، مراجعة: حمدي عبد الحميد السلفي، ١٤٠٤ هـ – ١٩٨٣م، مكتبة العلوم والحكم، الموصل، أصله في صحيح مسلم ٣/٢٠٠، مرجع سابق، دون ذكر جبريل.
(٣) تأويل مختلف الحديث ٣١٠، مرجع سابق.


الصفحة التالية
Icon