وغاية ما كانت تصل إليه قدراتهم، أن يظنوا وجود جبريل - عليه السلام - معه، أو يعتادوا على بعض علامات محسوسة تدل عليه فقط، مع كثرة معاشرتهم لرسول الله - ﷺ - وممارستهم لخبره عن مجيء الوحي له: فعن أنس ابن مالك - رضي الله عنه - قال: خرج علينا رسول الله - ﷺ - ذات يوم وهو غضبان، ونحن نرى أن معه جبريل - عليه السلام - حتى صعد المنبر-إلى أن قال أنس- ثم التفت نحو الحائط فقال: (لم أر كاليوم في الخير والشر، أريت الجنة والنار وراء هذا الحائط) (١).
وقد عبر أنس - رضي الله عنه - عن الظن بالفعل (نرى) (٢).
وكما رواه أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - ﷺ - جلس ذات يوم على المنبر، وجلسنا حوله فقال: (إني مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها) فقال رجل: يا رسول الله ! أويأتي الخير بالشر ؟ فسكت النبي - ﷺ - فقيل له: ما شأنك تكلم النبي - ﷺ - ولا يكلمك، فرأينا أنه ينزل عليه. قال: فمسح عنه الرحضاء فقال: (أين السائل)، وكأنه حمده، فقال: (إنه لا يأتي الخير بالشر... )الحديث (٣).
(٢) وهو يدل على الظن حيث كانت القرينة، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ﴾ "المعارج/٦"، وهم إنما يظنون ظناً بدليل قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ﴾ "الجاثية/٣٢".
(٣) صحيح البخاري ٢/٥٣٢، مرجع سابق، وهو يدل على مجيء الوحي غير القرآني شديداً.