ومما يدل على رؤيتهم أو اعتيادهم لبعض العلامات الحسية المصاحبة لمجيء الملَك: علامات الكرب المصاحبة للوحي كما سيأتي –إن شاء الله تعالى- (١).
... ومن هذه العلامات ما جاء عن عائشة -رضي الله تعالى عنها-أن رسول الله - ﷺ - لما فرغ من الأحزاب دخل المغتسل ليغتسل، فجاء جبريل - عليه السلام - فقال: أو قد وضعتم السلاح؟، ما وضعنا أسلحتنا بعد. انهد إلى بني قريظة، فقالت عائشة –رضي الله تعالى عنها-: كأني أنظر إلى جبريل - عليه السلام - من خلل الباب قد عصب رأسه من الغبار (٢)، وعن أنس ابن مالك - رضي الله عنه - قال: كأني أنظر إلى غبار ساطع في سكة بني غنم موكب جبريل (٣).
فالأذن المعتادة لا تسمع جبريل - عليه السلام -، والعين المعتادة لا تراه، وذلك لأنه يصل إلى مركز الإبصار، ومركز السمع مباشرة... ولهذا قال - ﷺ - :(هذا جبريل جاء يعلمكم دينكم) فلما أراد جبريل - عليه السلام - أن يعلمهم كان لا بد من أن يتمثل لهم بشراً تدرك عيونهم صورته، وتدرك أسماعهم صوته.
ولا يستطيع البشر أن يروا الملك إلا إذا تمثل لهم بشراً، فقرر النووي (في حديث أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- حيث رأت جبريل على صورة دحية): أن "فيه جواز رؤية البشر غير الأنبياء للملائكة، ووقوع ذلك، ويرونهم على صورة الآدميين؛ لأنهم لا يقوون على رؤيتهم على صورهم" (٤)، ويشير إلى ذلك قوله تعالى ﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً ﴾ "الأنعام /٩"، وأوضح دليل على ذلك : كلام الملائكة مع مريم بنت عمران –عليها السلام- حيث تمثل لها الملك بشراً سوياً.
(٢) مسند الإمام أحمد بن حنبل ١٣١/٦، مرجع سابق.
(٣) صحيح البخاري ٣/١١٧٦، مرجع سابق.
(٤) فتح الباري ٤/٢٣٥، مرجع سابق.