وقد أُورِد على هذا الحصر أنه قد ثبت مجيئ الوحي في غير هاتين الصورتين، وقد ذكر ذلك ابن حجر-رحمه الله تعالى-وأجاب عليه (١)، والجواب الجامع أن يقال: ما ذكر من هيئات أخرى للوحي في ذاته، أوفي حامله لا تخلو من أحد أمرين:
أن تكون عامة في الأنبياء وغيرهم، كالإلهام، والرؤيا الصادقة، فليس حولها كلام، وليس السؤال واقعاً عنها (٢).
أو أنها ترجع إلى أحد الصورتين كالنفث في الروع، ودوي النحل، فهو كصلصلة الجرس، أو تكليمه - ﷺ - لربه تعالى في المعراج فذاك كان بواسطة نقل جبريل - عليه السلام - له إلى السماء ابتداء، وقد قرر الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- ذلك -بعدُ- حيث قال: "وقد ذكر الحليمي أن الوحي كان يأتيه على ستة وأربعين نوعاً، فذكرها، وغالبها من صفات حامل الوحي، ومجموعها يدخل فيما ذكر" (٣).
والمراد من هذا الاستطراد تثبيت مجيء الملك بصورة محسوسة حال الوحي بصورة عامة ليغدو مسلماً في الذهن:

أن الوحي كان يأتيه - ﷺ - بطريق محسوس، فلا يطرأ عليه احتمال التخييل (٤) وأما الوحي القرآني فقد كانت الاحتياطات فيه أشد من حيث إنزاله على القلب (٥).
(١) انظر: فتح الباري ١٢ /٤٣٦، مرجع سابق.
(٢) لكن قد قال البعض بالفرق بين رؤيا الأنبياء وغيرهم، فرؤيا الأنبياء وحي لا يدخله خلل. انظر: فتح الباري ١٢/٤٣٩، مرجع سابق، وعلى كلٍ فالوحي القرآني قد كان أكثر احتياطاً من أن يكون رؤيا منام، كما يلاحظ في عرض هذا الفصل وفيما يليه.
(٣) فتح الباري ١/٢٤، مرجع سابق.
(٤) انظر: الفصل الخامس- المبحث الأول من هذه الدراسة.
(٥) انظر: الفصل الثالث- المبحث الثاني- المطلب الثاني من هذه الدراسة.


الصفحة التالية
Icon