تجلب النسوة لإرضاع البطل الذي يأبى ذلك، الشيء الذي جعل اقتراح الأخت القاضي بأخذه إلى عجوز ترضعه، ينفذ ويطاع.
و) المشهد السادس: تحقق وعد الله.
لحظات لقاء ثانية (بين الأم وابنها) تتجدد فيها العطاءات، وتفيض فيها العواطف وتتدفق فيها المشاعر نحو الابن العائد، ويتحقق وعد الله.
هذه المشاهد الستة تتحرك فيها خمس شخصيات، وتنمو حركتها بطريقة أفقية، والشخصية المحورية-هنا- هي شخصية موسى الرضيع.
غير أننا لا يمكن أن نتعرف على السردية البانية لشخصية البطل دون أن نُلِمَّ بالملامح النفسية والعاطفية والاجتماعية المتعلقة بالشخصيات المحيطة به، الشيء الذي يجعلنا نقف عند الكيفية التي يسخر فيها السرد كل الشخصيات من أجل بناء الشخصية المحوَر.
شخصية الأم:
يُظهرها السرد من البداية بعد أن أرضعت ابنها في جو مشحون بالضغط والخوف، مذ علمت أن فرعون يسعى لقتل كل مولود، خشية زوال ملكه.
ولعلنا نقف-هنا- عند خاصية تقديم الشخوص في القص القرآني، وهو تقديم لا يختلف-في مظهره- عما ألفناه من أشكال التقديم لدى المبدعين بحيث وجدناهم يبدؤون ويعيدون في ذلك "فقد يبدؤها بخاتمتها، ثم يأخذ في تجلية هذه الخاتمة.. وقد يبدؤها بفترة معينة من حياة الشخصية الأساسية فيها، ثم يعود إلى الماضي ليّصور لنا كيف تمت هذه الفترة وما وقع فيها من أحداث"(١).
تظهر شخصية الأم ثلاث مرات، وتشغل الحيِّز الأكبر. فهي من الرضيع أولاً، تتحاشى عيون فرعون المبثوثة هنا وهناك. ثم هي معه حيث يُلْقى في البحر، ثم هي في دارها قلقة حائرة. وهي أخيراً تتلقفه في عطائية لا متناهية.
غير أننا نلاحظ أن السرد-هنا- اهتم بشخصية الأم وأهمل الأب، لعلة أمومية تربوية تفرضها طبيعة المرحلة التي تقتضي وجود الأم إلى جانب الرضيع، الأمر الذي غيّب الأب.