غير أنها لا تحمل أهميتها في ذاتها وإنما في فاعليتها وعلاقاتها مع الشخصية المحور. فالشخصيات الأربع نلاحظ السرد من خلال تقديمها يعتمد على الانبثاقات الحديثة التي تشعها، والتي بدروها تشكل مادة السرد.
ونجده-بموازاة ذلك- يصوّبها نحو موسى الرضيع.
فالأم مثلاً، أضحت رمزاً للعطاء والتواصل الحياتي للبطل. وزوجة فرعون الحنون، تعتبر امتداداً لوظيفة الأم، بحيث تكون سبباً في حمايته من القتل. وجاء توظيف أخته حلقةَ وصل بين الأم وزوج فرعون استكمالاً لوظيفة أمه الأصلية.
وما يمكن ملاحظته هو أن ما يشي به هذا التوظيف النسوي الواضح، إنما هو انعكاس للفترة التي يكون فيها حضور الأمهات ضرورياً، إذا علمنا أن البطل كان رضيعاً يحتاج إلى فيض الأمومة وفرط الحنان.
إن ملمح بناء الشخصية الرئيسية في الفصل الأول هذا، يتجلى في مظاهر مبعثرة يعمد البناء السردي الممارس فيها إلى التشويش الفني، الأمر الذي يحيلنا على بناء تفكيكي فوضوي نتوقعه، يلحق الشخصية المحور. مما يجعلنا نستصعب طريقته وخطواته. ولكن بقراءة واعية يمكننا لملمة تلك الأشلاء، وإعادة بناء ما رمي به مفكّكاً داخل هذه الفضاءات المختلفة ليظهر البناء واضحاً.
إن السردية القرآنية-بهذه الصفة- تكون السباقة إلى تأصيل مثل هذه التقنيات التي هي من سمات السردية الجديدة التي ترى أن "بناء الشخصية- في الرواية الجديدة- يظهر في صور مبعثرة فالروائي يقذف بها أشلاء مبعثرة، قد تبدو للوهلة الأولى متناقضة وفوضوية يستحيل جمعها"(١). ولا تقدم الشخصية جاهزة، الأمر الذي يجعل القارئ في قلق وحيرة في البحث عن لملمة تلك الفوضى الشيئية التي تنتهي إلى تكوين البطل (بنائه).

(١) سعيدي محمد: حركية الشخصية في الرواية الجديدة/ تجليات الحداثة/ ع٣/ ١٩٩٤- جامعة وهران ص١٥٨.


الصفحة التالية
Icon