إن الساردة القرآنية تجعل القارئ مشاركاً في المسار القصصي، بحيث يصبح مطالباً بمحاورة أجزاء النص ومساءلتها من أجل جمع ذلك الشتات المتعلق ببناء الشخصية، فهي تظهر كغيرها من الروابط السردية المسخرة في هذا النص، بغية دفع المتلقي لإعادة القراءة من أجل الوصول إلى تأويلية المسار الدلالي الذي يكوّن النص، ومن ثم يبني الشخصية.
غير أن هذه القراءة "قد لا تخلو من مغامرة شائكة ومشوشة، حتى يبدو للقارئ الساذج والسطحي أن النص متناقض مع نفسه، أو فيه بعض الأخطاء الفنية كالغياب المفاجئ للشخصيات"(١).
ولعل هدف السرد القرآني هنا ذو مقصدية تجاوزية، من شأنها تفجير ذهنية القارئ، وجعلهَا حاضرة في السياق السردي، وهو -بهذا- يلغي إقصاءها الذي مورس عليها في القصة التقليدية.
شخصية فرعون (الحيز):
يمكن اعتبار شخصية فرعون- هنا- حيزاً. وهي على هذه الوتيرة تغتدي توظيفاً يرقى إلى مستوى الحداثة، بل ويعد من أبرز سماتها في الفن القصصي.
ولعلنا نتحسَّس شيئاً من هذا، في هذه النمطية السردية الجديدة التي تنهض على مبدأ التعويضية.
إن الحيز الذي تتحرك فيه شخصية فرعون- دون أن تَظْهَرَ حَرَكَتُها بشكل ملموس- يجعل منه المعوض لها، والبديل عنها. فكأن الشخصية الحيز- بهذا التغييب- تعاين الوقائع وترصدها من موقف خفي في شبه موضوعية للأحداث.
هذه الشخصية ألفيناها غائبة حاضرة، تبدو مساهمتها واضحة في تحريك الأحداث.
لقد مرّت في السياق السردي- ورغم غيابها في حركيته- إلا أنها كانت أكثر تأثيراً في تفعيل المسار السردي.
ففي المشهد الأول. كنا شاهدنا قلق الأم وحيرتها، وحزنها على ابنها. كل هذا أحدثته شخصية فرعون الغائبة، الحاضرة في حيز فضائي ناب عنها.

(١) سعيدي محمد: حركية الشخصية في الرواية الجديدة/ تجليات الحداثة/ ع٣/ ١٩٩٤ –جامعة وهران ص١٥٨.


الصفحة التالية
Icon