جـ-عالم القصر: تمثله زوجة فرعون بكل مقومات الأم. حيث تفجّرت فيها عاطفة الأمومة فأحاطته بسياج فياض، يزرع حبّا، وينشر عاطفة، وذلك بعد أن التقطه آل فرعَون حيث "روي أنهم حين التقطوا التابوت عالجوا فتحه فلم يقدروا عليه فعالجوا كسره، فأعياهم. فدنت أسية فرأت في جوف التابوت نوراً فعالجته ففتحته، فإذا بصبي نوره بين عينيه وهو يمصّ إبهامه لبناً فأحبوه"(١).
ولقد أصبح يعيش في قصر لا حزن فيه ولا قلق، الشيء الذي يجعل هذا العالم نقيضاً للعالم الأول مما سيكون له أيضاً، انعكاس على شخصية البطل لاحقاً.
وفي ضوء هذه العوالم يتحرك الأثر الباني عبر تقاطعات متداخلة تبدأ من [الكوخ] المحاط بالقلق والتوتر. وتنتهي إلى [القصر] المحاصر بالعناية والاهتمام.
ولعل الرسمة هذه توضح المبتغى
وبمتابعة كشفية ألفينا المسار السردي يتشكل- وفي ضوء العالمين- من حركتين تمثلان ثنائية ضدية.
-الحركة الأولى: شكلية، عرضية، إطارية، تكوّن البطل وتبنيه من الخارج، وهي الحركة المنبثقة عن عالم الكوخ.
-الحركة الثانية: داخلية، لبابية، استبطانية، تكوّن البطل وتبنيه من الداخل، وهي الحركة الناشئة عن عالم القصر.
وهكذا سيكون استحضار حركتي الكوخ والقصر استحضاراً لصفة ضدية تظهر في تصرفات البطل- كما سنوضح ذلك في الفصل الثاني اللاحق- على حين سيكون هذا استحضاراً وبناءً في ذات الآن.
وبمقتضى ذلك نجد هذه الثنائية الضدية تتشكل من الكونين اللذين يشغلهما (الكوخ والقصر) وهما كونان نقيضان.
-الكوخ (عالم الفقر، والبلى، والظلام، والانقطاع)، مما يكون له انعكاس على تنشئة موسى التي يحتضنه فيها الفقر والكفاف لأنه "ضعيف لقلة ماله، وأنه ليس على الملك والسلطان"(٢).
-القصر (كون الانفعالات، والدفقات العاطفية، الكون المضيء)
(٢) الطبري: جامع البيان في تفسير القرآن/ م١١/ ج٢٥/ دار المعرفة بيروت ص٤٩.