في ظل هذا- كله- يتقدم موسى نحو البئر، وبنظرات حادة يتفرق الجمع. فإذا الجو يتسم بالصمت وإذا الدهشة تغمر الجميع، الشيء الذي جعل كل راع يبعد غنمه في لهفة ليرقب الحدث الخارق. يقترب موسى في عزم وثبات، يرفع الحجر(١)من على البئر في نشوة لا متناهية، ثم يبتعد قليلاً فاسحاً المجال لأغنام المرأتين ليخلد- في النهاية- إلى الراحة تحت فيء شجرة تداعت لها نجواه في سكون مطبق.
٣-الحدث المحظور:
وهنا نكتشف كيف أن السرد القرآني يؤصل لظاهرة حداثية، على عكس ما لاحظه فلادمير بروب (Vladimir Propp)، في دراسته للحكاية الشعبية الروسية. وهي ظاهرة ارتكاب الفعل المحظور من قبل الشخصيات الحكائية وأكّدها الباحث عبد الملك مرتاض بقوله، تعليقاً على ما ذهب إليه بروب: "والحق هو ذاك. فإن معظم الحكايات الشعبية- عبر معظم الآداب العالمية بما فيها الحكايات الشعبية العربية وفي طليعتها حكايات ألف ليلة وليلة- تولع بالقيام على الحدث المحظور"(٢).
غير أن هذه الظاهرة، لم نألف وقوعها في القص القرآني، والذي نألفه هو العكس(٣). ذلك أن الفعل المحظور يبقى كذلك، لأن السردية القرآنية تنهض على مبدأ تعميق الأبعاد الأخلاقية.
(٢) د. عبد الملك مرتاض ألف ليلة وليلة... ص٢٣.
(٣) ** تجسده حادثة المراودة في سورة يوسف حيث لم يرتكب الفعل المحظور. يستثنى من ذلك شجرة آدم التي أكل منها، لغاية استخلافية اختبارية.