إن الحدث المحظور- هنا- يظهر حينما انزوى موسى إلى ظل شجرة- بعد أن نال منه الجوع- يتداعى صوراً حدثت له وستحدث في نجوى بطولية، يوقعها ظل الشجرة، وتتجاوب معها أنفاسه المنبعثة من الداخل، ويشارك فيها ذهنه الشارد إلى حيث الرعاء والبئر والمرأتان.
وفجأة يقطع عليه نجواه صوت امرأة مهدّج يفيض عذوبة في حياء ووقار قائلة: ﴿ إنَّ أبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنا ﴾.
لا شك أن الفتاة كانت وحدها، ولا شك أن حديثها كان جذاباً، الأمر الذي جعل القرآن يصفها بهذا الوصف المثير أيضاً، ﴿ فجَاءتْه إحْداهُما تَمشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ ﴾.
ولا شك أن عاطفة الأنوثة قد تحرّكت بداخلها بوصفها امرأة، وهي متجهة نحو موسى، تختلس النظرة تلو الأخرى عبر أهدابها الثاقبات، ولا شك أيضاً أن صوتها كان خافتاً تتهدجه عاطفة الإعجاب بموسى بالرغم من حيائها.(١)
ولعل الحياء- بوصفه عنصراً عاطفياً يزيد المرأة تغنجاً ودلالاً- هو الذي ساعد على أن يبقى الحدث المحظور محظوراً.
هذا الحياء الذي هو "حالة تعتري الشخص تحمله على تجنب الرذائل"(٢) سيطبع شخصية موسى ويتقاطع فيها، بحكم الجاذبية الحيائية المنبعثة من الفتاة إلى موسى، الشيء الذي أبقى على الحدث بدون ارتكاب. مما جعل موسى يسمع ذلك الصوت الدافئ ويتابعه في عفة ونقاء.

(١) * تسمى (صفراء وهي التي ذهبت به وطلبت إلى أبيها أن يستأجره، وهي التي تزوجها) ينظر الكشاف- ج٤- ص١٦٣.
(٢) الصاوي: حاشية الصاوي على تفسير الجلالين- م٣- دار الفكر بيروت ص٢١٤.


الصفحة التالية
Icon