فبالرغم من توفر كل عناصر ارتكاب الفعل المحظور، إلا أنه لا يرتكب، لأن أدبية توظيف الجنس في النص القرآني لا تدفع إلى إثارة الغريزة وتحريك الانفعال، لأن وجود المرأة مثلاً "في بعض قصص القرآن لم يقصد به الاستثارة أو الترفيه أو إشباع بعض الميول كما نجد ذلك في القصص الإنساني العاطفي. وإنما لأن الحدث استدعى وجودها كامرأة لها عواطفها ومشاعرها الخاصة، أو كإنسان لها شخصيتها المتميزة وذاتيتها المستقلة، فلا يضفي القرآن عليها ألواناً زاهية جذابة، ولا يسلّط عليها أضواءً أكثر مما تقتضيه طبيعة المشهد"(١).
ولعل هذا يرجع- في أساسه- إلى النظرة القرآنية المتميزة للمرأة.
وفي هذا السياق يقول العقاد "إن المعاملة القرآنية للمرأة هي دستور المرأة الخالدة، ويتضح معنى الأسس التي تبنى عليها المعاملات والحقوق عند المقابلة بين الأسس القرآنية وأسس المعاملة التي تلقتها المرأة من الحضارة الأوروبية منذ حكمتها المبادئ الفكرية"(٢).
٤-الحدث العاطفي:
إن الحدث- هنا- يتسم باللين والرقة، يظهره حوار الأب "شعيب" مع موسى بحضور البنتين.
يتمحور فضاء الحوارية في نقطة واحدة، تتمثل في تزويج موسى لإحدى ابن تي شعيب.
ولعل الآية الآتية تخفي التفاتة عاطفية تنم عن رغبة إحداهما في البطل. وهي ﴿ قَالت إحْدَاهُما يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْه، إنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ
الأَمِينُ ﴾ (٣).
وهنا تتدفق عاطفة موسى والفتاة. فالبطولة والعفة تميّز البطل، والحياء والوقار يميّز الفتاة، الأمر الذي جعل سبل التلاقي متوفرة، مما يدفع إلى تحريك العاطفة وإثارة الانفعال. أليس هذا حدثاً عاطفياً؟
(٢) محمد كامل حسن المحامي: القرآن والقصة الحديثة- ص١٤٩.
(٣) الآية ٢٦ من سورة القصص.