ولعل هذه الأحداث المتنوعة التي ميزت هذا الفصل تكون إحدى خصائص السردية الجديدة التي تعتمد على "إلغاء الحدث الرئيسي كعنصر محرك للنص الروائي، حيث أصبح العمل الروائي يجمل أحداثاً مختلفة، والتي قد تبدو للوهلة الأولى منفصلة أو متناقضة. ولكن قراءة النص عمودياً وأفقياً تكشف أن وراء تعدد الأحداث وحدة فضائية أي فضاء حدثي واحد"(١).
ثانياً: مظهر الشخصية المركبة:
يبدو لي أن هذا المظهر معقد، وتعقده يأتيه من داخله. بحيث تكون فيه الشخصية مركبة من مجموع، وأن هذا التركيب- في جوهره- يكون انعكاساً لشخصيات محاطة بالبطل.
إن الصفات التي رأيناها تقاطعت في البطل (القوة. الأمانة. الصدق. العاطفة) جعلتنا نصفه بالبطل المتعدد أو الشخصية المركبة.
غير أن هذه التعددية قلّما تتميز بها شخصية واحدة في عمل ما.
فالشخصيات التي رافقت البطل هي:
-الرجل المؤمن من آل فرعون.
-المرأتان
-الرعاء
-النبي شعيب عليه السلام.
هذه الشخصيات لم يذكر السرد القرآني أسماءها، وإنما أشار إلى دواخلها، وركّز على ما تصدره من سلوكات. وكأنه- بهذه الوتيرة- لا يحفل بالشخصية، الأمر الذي يجعله متلاقياً مع خصوصيات السردانية الحداثية.
فالشخصية- من منظور قرآني- هي الفعل التأسيسي، الشيء الذي جعل الأفعال في سياق السرد القرآني تنوب عن الشخصية. لأننا ألفينا رواد الحداثة يركزون على الأفعال ويرون أنها بمقدار ما تكون فاعلة، بمقدار ما تعطي للشخصية التمايز الفني داخل العمل الإبداعي "ومن الملاحظ أن قريماس صنف الشخصيات بحسب أفعالها وليس ماهيتها. أي درجة إسهامها ومدى فعاليتها داخل وعبر سلسلة الأفعال"(٢).
فكانت الشخصيات- في التوظيف القرآني- بمثابة مرآة عاكسة، بحيث تتقاطع سلوكاتها داخل الشخصية الرئيسية.
(٢) يومية الجمهورية ٦ أكتوبر ١٩٩٣.