فانْظُرْ كيْفَ كانَ عاقبةُ الظالمينَ } (١).
في هذا الفصل صادفتنا نمطية جديدة من الشخصيات أطلقنا عليها: الشخصية الوحي. وقد أوحى لنا بها النص القرآني، ونحن نستكنه دواخله وجزئياته.
يوجد في هذا الفصل مشهدان.
-المشهد الأول:
يمكن عنونته بـ: الشخصية بين الخطاب الرسالاتي(٢) والحسّ النبويّ
لقد عمد السرد القرآني منذ الفصل الثاني، إلى رسم صورة موسى عليه السلام، تلك الصورة التي توحي بالقوة والشدة من جانب، ومن تعقل وتروٍّ، من جانب آخر، وهذا ضماناً للمتلقي حتى يكون على بيّنة من أمر هذه الشخصية ليتصور ملامحها وليكتشف- في النهاية- أنها ذات صلة وثقى بالمهمة التي تنتظرها. ينحصر مضمون المشهد في كون البطل قد قضى الأجل الذي تم بينه وبين النبي شعيب، بعد أن تربّص في كنف النبوة حيناً من الدهر. حيث شُحِنَ بشحنات روحية حفّزته نحو مشروع الاجتبائية والاصطفاء الذي ينتظره.
وبعد انقضاء المدة، انطلق- بإحساسه النبوي- يضرب في الأرض رفقة أهله. وهنا تبدأ سلسلة الخطابات الرسالاتية بدءاً بإشارة النار(٣). وبحس النبوة اتجه نحوها تاركاً أهله في حيرة.

(١) الآيات ٢٩-٤٠ سورة القصص.
(٢) اشتققناه من آية ﴿لقد أبلغتكم رسالات ربي﴾ ولعل المقصود هنا يكون حول الخطاب الوحي أو التبليغ السماوي ولقد تكرر في القرآن ٧ مرات. فالرسالاتي جمع رسالات وليس رسائل حتى ينصرف الذهن إلى التّنزيل.
(٣) ظاهرة إشعال النار نمطية أخلاقية درج عليها الأولون بغية هداية ضال أو بغرض تقديم القرى كما كان يفعل حاتم الطائي. ولعل هذه السمة التي يفتخر بها العربي مردها إلى المسحة التقديسية التي يكون قد منحها لها النص القرآني وبحكم أن الخالق مارسها علامة لاستقدام الضيوف. كما حل موسى ضيفاً في حضرته.


الصفحة التالية
Icon