لقد تقدم موسى نحوها ضيفاً على ربه في رحاب الكلمة الوحي، الأمر الذي جعل السردية الرسالاتية تبدأ من هذه النقطة والتي هي مظهر بانٍ لشخصية موسى "وفيها يحل على النفس المهيأة لاحتضان الرسالة السماوية، زمن الأنس والإشراق القدسي ويكتنفها في حمى الله ورحابه البكر"(١).
لنوضّح هذا في الحال.
١-مظاهر البناء: (طقوس الرسالة في الأرض)
تتمظهر في ثلاثة عناصر: -شاطئ الواد. –البقعة المباركة. –الشجرة.
وبمتابعة استبطانية تكرّس مبدأ العلاقة بين الشخصية وبين الفضاءات الكونية التي تتحرك فيها، وجدنا أن هذه المظاهر السردية تؤثر تأثيراً مباشراً في صنع الشخصية وبنائها.
فشاطئ الواد: ألفيناه رمزاً للثبات والتدفق.
والبقعة المباركة: ما هي إلا رمز للطّهر والنقاء. وهي سمة الأنبياء.
والشجرة: تكون رمز الانتشار والإحاطة والشمول.
هذه المظاهر- مجتمعة- تستقطب الشخصية ثم تتقاطع بداخلها.
غير أن هذه الطقوس وجدناها تتجانس- في جوهرها- مع رسالة السماء، مما يجعل الشخصية الوحي مستعدة للخطاب الرسالاتي.
فهو يتقاطع مع شاطئ الواد من جهة الوصول إلى برّ الأمان، مما يدل على الاستقرار والثبات، والاستعداد الروحي والنفسي لتقبل الخطاب الرسالاتي.
وهو كالبقعة المباركة، من جهة صفاء النية والانفتاح على عالم الرسالة العظمى برحابة صدر.
وهو أخيراً كالشجرة من جهة الانتشار والعطاء والتواصل، لأن الرسالة سيحملها هو ويعمل على تبليغها. فالشجرة رمز للكلمة الطيبة التي تدخل في حقل التواصلية. وفي هذا السياق يقول تعالى: ﴿ ألَم تَرَ كيفَ ضَرَبَ اللّهُ مثلاً كلِمةً طيِّبةً كشجَرةٍ طيِّبةٍ أصْلُها ثَابِتٌ وفَرْعُها في السَّماءِ تُؤْتي أُكْلَها كُلَّ حِينٍ بإذْنِ ربِّها ﴾ (٢).

(١) د. سليمان عشراتي: أدبية الخطاب القرآني- بحث دكتوراه دولة تحت الطبع جامعة وهران ٩٠-٩١ ص١٨٥.
(٢) الآيتان ٢٤-٢٥ من سورة إبراهيم.


الصفحة التالية
Icon