لقد رأينا كيف أن الشخصية تستقطب الجموع وتتقاطع في داخلها، وهي رؤية حداثية. لأن "البعض يعتبرها نقطة تمركز تلتف حولها الأحداث والمواقف، وتستقطب عناصر السرد وتمتص مختلف الأنوية المشكلة لنسيج القص"(١).
وبهذا التوظيف يكون النص القرآني قد أصّل هذه النظرة، وعمقها منذ زمن قبل ميلاد الحداثة.
فإذن. الواد والشجرة والبقعة ما هي إلا عناصر من شأنها استقطاب الشخصية الوحي من جهة، وتمهيد الأرضية لاستقبال الرسالة من جهة أخرى.
وبعد هذا يتدفق الوحي ويتكلَّم الله سبحانه، ﴿ إنِّي أنَا اللّهُ ربُّ العالمِينَ ﴾.
وبذلك- كلّه- رأينا الكيفية التي أسهمت بها تلك العناصر لتجلية الشخصية الوحي.
٢-مظاهر البناء: (التجربة من السماء إلى الأرض)
إن السارد (الإله) يجري عملية البناء على الشخصية، تحت عنايته وفق معاينة إفضائية تجريبية.
ففي ظل الديكور الإلهي- المشار إليه سابقاً، والممثل في (الواد. البقعة. الشجرة)- تجرى التجربة وتحال الشخصية على تجربة اختبارية حسّية ﴿ وأنْ ألقِ عَصاكَ، فلمَّا رَآهَا تَهْتَزّ كأنَّها جَانٌّ ولّى مُدْبِراً ولَمْ يُعَقِّبْ ﴾.
من شأن هذا المقطع السردي أن يفضي إلى إظهار إنسانية البطل وبشريته. فبمجرد رمي العصا التي تتحول إلى جان، يهتز ويتحرك، لأنه لم يقو على مواجهة عصاه، مما جعله يضطرب ويفقد توازنه ويعيد حركته إلى الخلف. لأن التجربة خرجت عن معهودية بشريته.
ولقد كان السرد القصصي القرآني قد أكّد اندفاعية موسى، ومزاجه العصبي.
غير أنه كان يتصرف إزاء هذا الانفعال بأسلوبين:

(١) يومية الجمهورية ٦/١٠/٩٣.


الصفحة التالية
Icon