فالواقع أن هذا المقطع السردي- رغم أنه أحادي الموقف- نجده يعمد إلى تغيير بنية معينة، يجتثيها من خلال عبارة سردية، وهذا تجنباً للتكرار من جانب، وذكر ما يقتضيه الموقف السردي وما له صلة بمضمونيته ليضيء جانباً أو يستجلي موقفاً من جانب آخر.
والحقيقة أن السرد القرآني لا ينهض على التكرار، وإنما يذكر جزءاً في موطن، ويذكر آخر في موطن ثان وهكذا، بمعنى "أن الغرض الديني هو الذي يملي إعادة القصة، ولكنها في هذه الإعادة، تلبس أسلوباً جديداً، وتخرج إخراجاً جديداً يناسب السياق الذي قيلت فيه وتهدف إلى هدف خاص لم يذكر في مكان آخر. حتى لكأننا أمام قصة جديدة لم نسمع بها من قبل"(١).
هذا على صعيد التجربة، حيث تكررت فيها العصا من ثلاث زوايا، كما رأينا.
أما على صعيد الخطاب الرسالاتي- المجسد لعناصر البناء (طقوس الرسالة) والواضح في آيتي ٢٩ و٣٠- فإننا ألفيناه- هو أيضاً- يتكرر في مواطن مختلفة.
ففي سورة طه مثلاً قوله تعالى: ﴿ وهَلْ أتَاكَ حديثُ مُوسَى إذْ رَأى ناراً فقال لأهلِه امْكُثوا إنِّي آنسْتُ ناراً لَعلِّي آتِيكُمْ مِنها بقبَسٍ أو أجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً. فَلَمَّا أتَاهَا نُودِي يا موسَى إنِّي أنَا رَبُّكَ فاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إنَّكَ بِالوَادِ المقدَّسِ طُوَى وأنَا اخْتَرْتُكَ فاسْتَمِعْ لِما يُوحى، إنَّنِي أنَا اللّهُ لاَ إلَهَ إلاَّ أنَا ﴾ (٢).
نجد السرد- هنا- قد أشار إلى النار، واكتفى بذكر عنصر واحد من طقوس استقبال الخطاب الرسالاتي. ألا وهو الواد المقدس.
غير أن الخطاب- فيه- كان مباشراً ﴿ وأَنا اخْتَرْتُكَ فاسْتَمِعْ لِما يُوحَى ﴾.
وفي سورة النمل، يتكرر المشهد والخطاب معاً قال تعالى: ﴿ فلَمَّا جَاءَها نُودِيَ أنْ بُورِكَ مَنْ في النَّارِ ومَنْ حَوْلَها ﴾ (٣).

(١) د. بكري شيخ أمين: التعبير الفني في القرآن ص٢٢٠.
(٢) الآيات ٩-١٤ سورة طه.
(٣) الآية ٨ سورة النمل.


الصفحة التالية
Icon