وهنا نلاحظ إخفاء كلياً لطقوس الرسالة. فلا الواد ذكر، ولا الشجرة، ولا البقعة أيضاً. أما الخطاب فتغيّر مستواه، حيث استخدمت فيه تقنية الالتفات(١)
﴿ يا مُوسَى إنَّهُ أنا اللّهُ العزيزُ الحكِيمُ ﴾ بحيث انتقل من الغائب "إنه" إلى المتكلم "أنا"- وإن كان الله دائم الحضور لا زمن يحكمه- وهنا يكون النص القرآني قد أصل الالتفات الذي هو تقنية حداثية. لأن "المباشرة بين الباث والمستقبل التي يحققها الالتفات بمعناه التقني، هو أسلوب أدائي، ما فتئت الفنون السردية والمسرحية الحديثة تستثمره من منظور تحقيق الشراكة المرغوبة جداً بين النص- الخطاب- وبين المتلقي... والتعاون معه بذهنية طرفية
(Partenariat)"(٢).
في سورة القصص- التي بين أيدينا- يذكر الطقوس مفصلة ﴿ فلَمَّا أتاهَا نُودِي مِنْ شَاطِئ الوادِ الأيْمنِ في البقعةِ المباركةِ منَ الشَّجَرةِ ﴾ أما الخطاب فيستخدم فيه تقنية الالتفات أيضاً ﴿ يا مُوسَى إنِّي أنا اللهُ رَبُّ العالمِينَ ﴾.

(١) * الالتفات هو (نقل الكلام من أسلوب إلى أسلوب آخر تطرية واستدراراً للسامع، وتجديداً لنشاطه وصيانة لخاطره من الملال والضجر بدوام الأسلوب الواحد على سمعه.
قال حازم في منهاج البلغاء: وهم يسأمون الاستمرار على ضمير متكلم أو ضمير مخاطب فينتقلون من الخطاب إلى الغيبة وكذلك أيضاً يتلاعب المتكلم بضميره، فتارة يجعله تاء على جهة الإخبار عن نفسه وتارة يجعله كافاً فيجعل نفسه مخاطباً، وتارة يجعله هاء فيقيم مقام الغائب. وشرطه أن يكون الضمير في المتنقل إليه عائداً في نفس الأمر إلى الملتفت عنه نحو: أكرم زيداً وأحسن إليه. فضمير أنت الذي هو في أكرم غير الضمير في إليه. ينظر الزركشي: البرهان في علوم القرآن ج٣- تحقيق أبو الفضل إبراهيم- دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ط٣ ١٩٨٠ ص٣١٤.
(٢) د. سليمان عشراتي: الأدب العربي والرواية الجديدة- تجليات الحداثة- ع٣- ص٧٠.


الصفحة التالية
Icon