ولما كان لزاماً وجود العنصرين معاً، برزت شخصية هارون بما أوتيت من فصاحة وبيان، وهو ما يجعل صفة التكامل أو التقاطع تظهر بوضوح في هذا التلاحم بين الشخصيتين.
فموسى- إذن- يتميز بالقوة. وهارون يتميز بالفصاحة مما يؤدي إلى التكامل الحقيقي، الأمر الذي دفعنا إلى تسمية هذا، بالشخصية التقاطع.
إن علة إشراك هارون إلى جانب موسى يوضحها الجاحظ بقوله: "وقد زعم بعض الناس من العوام أن موسى عليه السلام ألثغ. ولم يقفوا من الحروف التي كانت تعرض له على شيء بعينه. فمنهم من جعل ذلك خلقة، ومنهم من زعم أنه إنما اعتراه حين قالت آسية بنت مزاح امرأة فرعون لفرعون: لا تقتل طفلاً لا يعرف التمر من الجمر. فلما دعا له فرعون بهما جميعاً، تناول جمرة فأهوى بها إلى فيه فاعتراه من ذلك ما اعتراه"(١).
وبوجود هارون قريباً من موسى يتم التكامل، وتبنى الشخصية التقاطع بناء محكماً.
فالملاحظ أن تلك الصورة المزدوجة في شخصية موسى (قاتل + داعية) تلغى بقصدية إقصائية، لتحال إلى صورة ازدواجية ضدية (القوة + الفصاحة)، تظهر بوضوح في الشخصية التقاطع.
ثم تتحول الصورة المزدوجة الخارجية للبطل- عبر السرد القصصي- إلى صورة مزدوجة داخلية يتحسّسها هو ويشعر بها، فكأنها جزء منه. وبذلك يبقى وكأنه جوهر واحد. وتظل معادلة (القاتل + داعية) هي المكوّنة لصورة البطل النفسية المزدوجة، وهما في الوقت نفسه نقيضان خارجيان.
ويستمر موسى وهارون في الرحلة الدعوية ليصلا إلى فرعون ﴿ فَلَمّا جَاءَهُمْ مُوسَى بآياتِنَا بَيِّناتٍ قَالُوا مَا هَذَا إلاَّ سِحْرٌ مُفْتَرًى ﴾.
ولعلنا نلاحظ أن السرد القرآني قد تغاضى عن جزء مهم من مضمون ما حدث لموسى مع فرعون والذي ذكره القرآن في سور شتى(٢).

(١) الجاحظ: البيان والتبيين- دار إحياء التراث العربي- بيروت- لبنان- ٦٨- ص٣٠.
(٢) * ينظر سور الأعراف من ١٠٤ إلى ١٢٦ وطه من ٥٦ إلى ٧١ والشعراء من ١٦ إلى ٤٩.


الصفحة التالية
Icon