فَإِجْزَاءُ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا إِشْكَالَ فِيهِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنِ الْمُتْعَةِ؟ فَأَمَرَنِي بِهَا، وَسَأَلْتُهُ عَنِ الْهَدْيِ فَقَالَ: فِيهَا جَزُورٌ أَوْ بَقَرَةٌ، أَوْ شَاةٌ، أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ. الْحَدِيثَ. فَقَوْلُهُ: أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ: يَعْنِي بِهِ مَا بَيَّنَتْهُ الرِّوَايَاتُ الْمَذْكُورَةُ الصَّحِيحَةُ. عَنْ جَابِرٍ أَنَّ الْبَدَنَةَ وَالْبَقَرَةَ كِلْتَاهُمَا تَكْفِي عَنْ سَبْعَةٍ مِنَ الْمُتَمَتِّعِينَ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ: وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فَأَمَرَنَا أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ»، ثُمَّ قَالَ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ، سَوَاءٌ كَانَ الْهَدْيُ تَطَوُّعًا أَوْ وَاجِبًا، وَسَوَاءٌ كَانُوا كُلُّهُمْ مُتَقَرِّبِينَ بِذَلِكَ، أَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ يُرِيدُ التَّقَرُّبَ، وَبَعْضُهُمْ يُرِيدُ اللَّحْمَ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: يُشْتَرَطُ فِي الِاشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ مُتَقَرِّبِينَ بِالْهَدْيِ، وَعَنْ زُفَرَ مِثْلُهُ بِزِيَادَةٍ: أَنْ تَكُونَ أَسْبَابُهُمْ وَاحِدَةً، وَعَنْ دَاوُدَ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ: يَجُوزُ فِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ، دُونَ الْوَاجِبِ، وَعَنْ مَالِكٍ: لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا انْتَهَى مِنْهُ.
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ سُبْعَ الْبَدَنَةِ وَسُبْعَ الْبَقَرَةِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُومُ مَقَامَ الشَّاةِ، وَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، وَالرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي ذَكَرْنَا حُجَّةٌ عَلَى كُلِّ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ كَمَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ، وَمَا احْتَجَّ بِهِ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي لِمَالِكٍ، مِنْ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الْهَدْيِ، لَا يَصِحُّ مِنْ أَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ، إِنَّمَا كَانَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، حَيْثُ كَانُوا مُحْصَرِينَ. وَأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ خَالَفَ فِيهِ أَبُو جَمْرَةَ عَنْهُ ثِقَاتِ أَصْحَابِهِ، فَرَوَوْا عَنْهُ أَنَّ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ: شَاةٌ، ثُمَّ سَاقَ ذَلِكَ عَنْهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ مَرْدُودَةٍ. أَمَّا دَعْوَى أَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ إِنَّمَا كَانَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، حَيْثُ كَانُوا مُحْصَرِينَ، فَهِيَ مَرْدُودَةٌ، بِمَا ثَبَتَ فِي الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ فِي مُسْلِمٍ الَّتِي سُقْنَاهَا بِأَلْفَاظِهَا: أَنَّهُمُ اشْتَرَكُوا الِاشْتِرَاكَ الْمَذْكُورَ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا فِي حَجِّهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِحَجِّهِ حَجَّةُ الْوَدَاعِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ بَعْدَ الْهِجْرَةِ حَجَّةً غَيْرَهَا. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ، عِنْدَ مُسْلِمٍ الَّتِي سُقْنَاهَا بِأَلْفَاظِهَا آنِفًا التَّصْرِيحُ بِوُقُوعِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْحَجَّةِ الْمَذْكُورَةِ، كَمَا هُوَ وَاضِحٌ مِنْ أَلْفَاظِ مُسْلِمٍ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا. وَأَمَّا دَعْوَى مُخَالَفَةِ أَبِي جَمْرَةَ فِي ذِكْرِهِ الِاشْتِرَاكَ الْمَذْكُورَ ثِقَاتِ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَهِيَ مَرْدُودَةٌ أَيْضًا، بِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي «الْفَتْحِ»، حَيْثُ قَالَ: وَلَيْسَ بَيْنَ رِوَايَةِ أَبِي جَمْرَةَ، وَرِوَايَةِ غَيْرِهِ مُنَافَاةٌ ; لِأَنَّهُ زَادَ عَلَيْهِمْ ذِكْرَ الِاشْتِرَاكِ، وَوَافَقَهُمْ عَلَى ذِكْرِ الشَّاةِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الشَّاةِ الرَّدَّ عَلَى مَنْ زَعَمَ اخْتِصَاصَ الْهَدْيِ بِالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ. وَذَلِكَ وَاضِحٌ فِيمَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا، إِلَى