أَنْ قَالَ: وَبِهَذَا تَجْتَمِعُ الْأَخْبَارُ، وَهُوَ أَوْلَى مِنَ الطَّعْنِ فِي رِوَايَةِ مَنْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَوْثِيقِهِ، وَهُوَ أَبُو جَمْرَةَ الضُّبَعِيُّ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى التَّشْرِيكَ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ لَمَّا بَلَغَتْهُ السُّنَّةُ، وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ رُجُوعَ ابْنِ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ، عَنْ أَحْمَدَ بِسَنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
وَأَظْهَرُ قَوْلَيْ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدِي أَنَّ الْبَدَنَةَ لَا تُجْزِئُ عَنْ أَكْثَرِ مِنْ سَبْعَةٍ، وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي «الْفَتْحِ»، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: أَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْ عَشَرَةٍ. قَالَ: وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ. وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ فِي صَحِيحِهِ، وَقَوَّاهُ وَاحْتَجَّ لَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ بِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَمَ فَعَدَلَ عَشْرًا مِنَ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ»، الْحَدِيثَ. وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الشَّاةَ: لَا يَصِحُّ الِاشْتِرَاكُ فِيهَا، وَقَوْلُهُ: «أَوْ شَاةٌ» هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. وَرَوَاهُ الطَّبَرِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْهُمْ، وَرُوِيَا بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) : إِلَّا مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَوَافَقَهُمَا الْقَاسِمُ، وَطَائِفَةٌ. قَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ لَهُ: أَظُنُّ أَنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [٢٢ ٣٦] فَذَهَبُوا إِلَى تَخْصِيصِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْبُدْنِ، قَالَ: وَيَرُدُّ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [٥ ٩٥] وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ فِي الظَّبْيِ شَاةٌ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا اسْمُ هَدْيٍ.
قُلْتُ: قَدِ احْتَجَّ بِذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْهَدْيُ شَاةٌ. فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: أَنَا أَقْرَأُ عَلَيْكُمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَا تُقِرُّونَ بِهِ، مَا فِي الظَّبْيِ؟ قَالُوا: شَاةٌ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ. اهـ مِنْ فَتْحِ الْبَارِي.
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ «الْبَقَرَةِ» : أَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «أَهْدَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّةً غَنَمًا»، وَهُوَ نَصٌّ صَحِيحٌ عَنْهَا صَرِيحٌ فِي تَسْمِيَةِ الْغَنَمِ هَدْيًا كَمَا تَرَى.
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ هُوَ الصَّوَابُ فِي هَدْيِ التَّمَتُّعِ، الَّذِي نَصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ عَلَى أَنَّهُ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ: أَنَّهُ شَاةٌ، أَوْ بَدَنَةٌ، أَوْ بَقَرَةٌ. وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ سُبْعُ الْبَدَنَةِ وَسُبْعُ الْبَقَرَةِ، عَنِ الْمُتَمَتِّعِ الْوَاحِدِ، وَتَكْفِي الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةِ مُتَمَتِّعِينَ لِثُبُوتِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَقُمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا سُنَّةِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصٌّ