يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ، لَا فَائِدَةَ فِيهِ إِلَّا جَوَازُ إِشْعَارِ الْهَدْيِ وَتَقْلِيدِهِ بَعْدَ إِحْرَامِ الْحَجِّ، لَا شَيْءَ آخَرَ، فَمَا نُقِلَ عَنْ عِيَاضٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ نَحْرِهِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ كُلُّهُ غَلَطٌ. إِمَّا مِنْ تَصْحِيفِ الْإِشْعَارِ وَالتَّقْلِيدِ وَجَعْلِ النَّحْرِ بَدَلَ ذَلِكَ غَلَطًا، وَإِمَّا مِنَ الْغَلَطِ فِي فَهْمِ الْمُرَادِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمَالِكِيَّةِ، كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِالْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ، فَاعْرِفْ هَذَا التَّحْقِيقَ، وَلَا تَغْتَرَّ بِغَيْرِهِ.
وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي وَقْتِ وُجُوبِهِ فِيهِ خِلَافٌ، فَقِيلَ: وَقْتُ وُجُوبِهِ هُوَ وَقْتُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ. قَالَ فِي «الْمُغْنِي» : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [٢ ١٩٦]، وَهَذَا قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ مَا جُعِلَ غَايَةً فَوُجُودُ أَوَّلِهِ كَافٍ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [٣ ١٨٧]، إِلَى أَنْ قَالَ: وَعَنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ إِذَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ. قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي، وَوُجِّهَ فِي الْمُغْنِي هَذَا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ لَا يُعْلَمُ أَيُتِمُّ حَجَّهُ أَوْ لَا ; لِأَنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ لَهُ الْفَوَاتُ، فَلَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ، وَذُكِرَ عَنْ عَطَاءٍ وُجُوبُهُ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ.
وَعَنْ أَبِي الْخَطَّابِ يَجِبُ إِذَا طَلَعَ فَجْرُ يَوْمِ النَّحْرِ، ثُمَّ قَالَ فِي «الْمُغْنِي» : فَأَمَّا وَقْتُ إِخْرَاجِهِ فَيَوْمُ النَّحْرِ، وَبِهِ قَالَ: مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لِأَنَّ مَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ لَا يَجُوزُ فِيهِ ذَبْحُ الْأُضْحِيَّةِ، فَلَا يَجُوزُ فِيهِ ذَبْحُ هَدْيِ التَّمَتُّعِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ قَالَ فِي الرَّجُلِ يَدْخُلُ مَكَّةَ فِي شَوَّالٍ، وَمَعَهُ هَدْيٌ قَالَ: يَنْحَرُ بِمَكَّةَ، وَإِنْ قَدِمَ قَبْلَ الْعَشْرِ يَنْحَرُهُ لَا يَضِيعُ أَوْ يَمُوتُ أَوْ يُسْرَقُ. وَكَذَلِكَ قَالَ عَطَاءٌ: وَإِنْ قَدِمَ فِي الْعَشْرِ لَمْ يَنْحَرْهُ حَتَّى يَنْحَرَهُ بِمِنًى ; لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ قَدِمُوا فِي الْعَشْرِ، فَلَمْ يَنْحَرُوا، حَتَّى نَحَرُوا بِمِنًى، وَمَنْ جَاءَ قَبْلَ ذَلِكَ نَحَرَهُ عَنْ عُمْرَتِهِ، وَأَقَامَ عَلَى إِحْرَامِهِ، وَكَانَ قَارِنًا. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ. وَسَتَرَى مَا يَرُدُّ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ صَاحِبُ «الْإِنْصَافِ» : يَلْزَمُ دَمُ التَّمَتُّعِ، وَالْقِرَانِ بِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَرَدَّ مَا نَقَلَ عَنْهُ خِلَافَهُ إِلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي «الْهِدَايَةِ» وَ «الْمُسْتَوْعِبِ» وَ «الْخُلَاصَةِ»، وَ «التَّلْخِيصِ»، وَ «الْفُرُوعِ»، وَ «الرِّعَايَتَيْنِ»، وَ «الْحَاوِيَيْنِ»، وَعَنْهُ يَلْزَمُ الدَّمُ إِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ، وَ «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» وَعَنْهُ يَلْزَمُ الدَّمُ بِالْوُقُوفِ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ اخْتِيَارَ الْقَاضِي.