قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَعَلَّهُ فِي الْمُجَرَّدِ وَأَطْلَقَهَا وَالَّتِي قَبْلَهَا فِي الْكَافِي، وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهَا، وَكَذَا قَالَ فِي «الْمُغْنِي» وَ «الشَّرْحِ»، وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي «الْوَاضِحِ» : يَجِبُ دَمُ الْقِرَانِ بِالْإِحْرَامِ. قَالَ فِي «الْفُرُوعِ» : كَذَا قَالَ، وَعَنْهُ يَلْزَمُ بِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ لِنِيَّةِ التَّمَتُّعِ، إِذْ قَالَ فِي «الْفُرُوعِ» : وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهَا، مَا إِذَا مَاتَ بَعْدَ سَبَبِ الْوُجُوبِ، يَخْرُجُ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: فَائِدَةُ الرِّوَايَاتِ إِذَا تَعَذَّرَ الدَّمُ، وَأَرَادَ الِانْتِقَالَ إِلَى الصَّوْمِ، فَمَتَى يَثْبُتُ الْعُذْرُ فِيهِ الرِّوَايَاتُ، ثُمَّ قَالَ فِي «الْإِنْصَافِ» : هَذَا الْحُكْمُ الْمُتَقَدِّمُ فِي لُزُومِ الدَّمِ. وَأَمَّا وَقْتُ ذَبْحِهِ فَجَزَمَ فِي «الْهِدَايَةِ»، وَ «الْمَذْهَبِ»، وَ «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ»، وَ «الْمُسْتَوْعِبِ»، وَ «الْخُلَاصَةِ»، وَ «الْهَادِي»، وَ «التَّلْخِيصِ»، وَ «الْبُلْغَةِ»، وَ «الرِّعَايَتَيْنِ»، وَ «الْحَاوِيَيْنِ» وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ قَبْلَ وُجُوبِهِ.
قَالَ فِي «الْفُرُوعِ» : وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: لَا يَجُوزُ قَبْلَ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، ثُمَّ ذَكَرَ صَاحِبُ «الْإِنْصَافِ»، عَنْ بَعْضِهِمْ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَبْحِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَذَكَرَ رَدَّهُ، وَرَدُّهُ الَّذِي ذَكَرَ هُوَ الصَّحِيحُ.
وَمِنْ جُمْلَةِ مَا رَدَّهُ بِهِ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَذْبَحُوا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ قَارَنُهُمْ وَمُتَمَتِّعُهُمْ جَمِيعًا، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ جَزَمَ فِي «الْمُحَرَّرِ»، وَ «النَّظْمِ»، وَ «الْحَاوِي»، وَ «الْفَائِقِ» وَغَيْرِهِمْ أَنَّ وَقْتَ دَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَقْتُ دَمِ الْأُضْحِيَّةِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ «يَجُوزُ لَهُ نَحْرُهُ بِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ، وَأَنَّهُ أَوْلَى مِنَ الصَّوْمِ ; لِأَنَّهُ بَدَلٌ» وَحَمَلَ رِوَايَةَ ابْنَ مَنْصُورٍ بِذَبْحِهِ يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى وُجُوبِهِ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ قَالَ:
وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ إِنْ قَدِمَ قَبْلَ الْعَشْرِ وَمَعَهُ هَدْيٌ: يَنْحَرُهُ لَا يَضِيعُ، أَوْ يَمُوتُ، أَوْ يُسْرَقُ. قَالَ فِي «الْفُرُوعِ» : وَهَذَا ضَعِيفٌ.
قَالَ فِي «الْكَافِي» : وَإِنْ قَدِمَ قَبْلَ الْعَشْرِ نَحَرَهُ، وَإِنْ قَدِمَ بِهِ فِي الْعَشْرِ لَمْ يَنْحَرْهُ حَتَّى يَنْحَرَهُ بِمِنًى، اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنَ «الْإِنْصَافِ».
وَقَدْ رَأَيْتُ فِي كَلَامِهِ أَنَّ الرِّوَايَاتِ بِتَحْدِيدِ وَقْتِ الْوُجُوبِ يُبْنَى عَلَيْهَا لُزُومُ الْهَدْيِ فِي تَرِكَتِهِ، إِنْ مَاتَ بَعْدَ الْوُجُوبِ، وَتَحَقَّقَ وَقْتُ الْعُذْرِ الْمُبِيحِ لِلِانْتِقَالِ إِلَى الصَّوْمِ، إِنْ لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ، لَا أَنَّ الْمُرَادَ بِوَقْتِ الْوُجُوبِ اسْتِلْزَامُ جَوَازِ الذَّبْحِ ; لِأَنَّهُمْ يُفْرِدُونَ وَقْتَ الذَّبْحِ بِكَلَامٍ مُسْتَقِلٍّ، عَنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ.