الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ هَذِهِ الطُّرُقُ الْمُصَرِّحَةُ بِالرَّفْعِ، بَقِيَ الْأَمْرُ عَلَى الِاحْتِمَالِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ فِي قَوْلِ الصَّحَابِيِّ: أُمِرْنَا بِكَذَا، وَنُهِينَا عَنْ كَذَا، هَلْ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ؟ عَلَى أَقْوَالٍ:
ثَالِثُهَا: إِنْ أَضَافَهُ إِلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ، وَإِلَّا فَلَا.
وَاخْتُلِفَ فِي التَّرْجِيحِ فِيمَا إِذَا لَمْ يُضِفْهُ، وَيَلْتَحِقُ بِهِ رُخِّصَ لَنَا فِي كَذَا، وَعُزِمَ عَلَيْنَا أَلَّا نَفْعَلَ كَذَا، كُلٌّ فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ، فَمَنْ يَقُولُ: إِنَّ لَهُ حُكْمَ الرَّفْعِ فَغَايَةُ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَلَامٍ، أَنَّهُ رُوِيَ بِالْمَعْنَى. لَكِنْ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: إِنَّ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ أَخَذَاهُ مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: (فِي الْحَجِّ)، يَعُمُّ مَا قَبْلَ النَّحْرِ، وَمَا بَعْدَهُ، فَتَدْخُلُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، فَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ بِمَرْفُوعٍ بَلْ هُوَ بِطَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ مِنْهُمَا، عَمَّا فَهِمَاهُ مِنْ عُمُومِ الْآيَةِ. وَقَدْ ثَبَتَ نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَوْمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَهُوَ عَامٌّ فِي حَقِّ الْمُتَمَتِّعِ وَغَيْرِهِ. وَعَلَى هَذَا فَقَدْ تَعَارَضَ عُمُومُ الْآيَةِ الْمُشْعِرُ بِالْإِذْنِ، وَعُمُومُ الْحَدِيثِ الْمُشْعِرُ بِالنَّهْيِ، وَفِي تَخْصِيصِ عُمُومِ الْمُتَوَاتِرِ بِعُمُومِ الْآحَادِ نَظَرٌ لَوْ كَانَ الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا، فَكَيْفَ وَفِي كَوْنِهِ مَرْفُوعًا نَظَرٌ، فَعَلَى هَذَا يَتَرَجَّحُ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ، وَإِلَى هَذَا جَنَحَ الْبُخَارِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ حَجَرٍ فِي «الْفَتْحِ» وَتَرَاهُ فِيهِ يَجْعَلُ: أُمِرْنَا وَنُهِينَا، وَرُخِّصَ لَنَا وَعُزِمَ عَلَيْنَا، كُلَّهَا سَوَاءً فِي الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ: هَلْ لَهَا حُكْمُ الرَّفْعِ أَوِ الْوَقْفِ؟ وَمِمَّنْ قَالَ: بِصَوْمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِلْمُتَمَتِّعِ: ابْنُ عُمَرَ، وَعَائِشَةُ، وَعُرْوَةُ، وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَأَحْمَدُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ عَدَمَ صَوْمِ الْمُتَمَتِّعِ لَهَا: الشَّافِعِيُّ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي، وَأَحْمَدُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ قَالَهُ فِي «الْمُغْنِي».
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: مَسْأَلَةُ صَوْمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِلْمُتَمَتِّعِ، يَظْهَرُ لِي فِيهَا أَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى النُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ، يَتَرَجَّحُ فِيهَا عَدَمُ جَوَازِ صَوْمِهَا وَبِالنَّظَرِ إِلَى صِنَاعَةِ عِلْمِ الْحَدِيثِ يَتَرَجَّحُ فِيهَا جَوَازُ صَوْمِهَا، وَإِيضَاحُ هَذَا أَنَّ عَدَمَ صَوْمِهَا: دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ، وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، كَمَا قَدَّمْنَا وَكِلَا الْحَدِيثَيْنِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ كَوْنَهَا: «أَيَّامَ أَكْلٍ وَشُرْبٍ». مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ نَصٌّ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ صَوْمِهَا، فَظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ فِي الْمُتَمَتِّعِ، الَّذِي لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَفِي غَيْرِهِ.


الصفحة التالية
Icon