مِنْهُ، وَعَلَى هَذَا دَرَجَ الْعِرَاقِيُّ فِي أَلْفِيَّتِهِ فِي قَوْلِهِ:

قَوْلُ الصَّحَابِيِّ مِنَ السُّنَّةِ أَوْ نَحْوَ أُمِرْنَا حُكْمُهُ الرَّفْعُ وَلَوْ
بَعْدَ النَّبِيِّ قَالَهُ بِأَعْصُرٍ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ
وَفِي عُلُومِ الْحَدِيثِ مُنَاقَشَاتٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعْرُوفَةٌ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ لَمْ يُرَخِّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، أَنْ ضُمِّنَ الْحَدِيثُ لَهُ حُكْمَ الرَّفْعِ. وَإِذَا قُلْنَا: إِنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ مَرْفُوعٌ عَنْ صَحَابِيَّيْنِ، فَلَا إِشْكَالَ فِي أَنَّهُ يُخَصَّصُ بِهِ عُمُومُ حَدِيثِ نُبَيْشَةَ، وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَلَوْ كَانَ ظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى صَوْمِهَا، كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ عَنِ الطَّحَاوِيِّ، فَلَا مَانِعَ مِنْ تَخْصِيصِ عُمُومِهَا بِالْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ أَنَّ التَّحْقِيقَ، جَوَازُ تَخْصِيصِ عُمُومِ الْمُتَوَاتِرِ، بِأَخْبَارِ الْآحَادِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ ; لِأَنَّ التَّخْصِيصَ بَيَانٌ، وَالْبَيَانُ يَجُوزُ بِكُلِّ مَا يُزِيلُ اللَّبْسَ، وَلِذَا كَانَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ بَيَانِ الْمُتَوَاتِرِ، بِأَخْبَارِ الْآحَادِ، كَتَخْصِيصِ عُمُومِ: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ [٤ ٢٤]، وَهُوَ مُتَوَاتِرٌ بِحَدِيثِ: «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا»، وَهُوَ خَبَرُ آحَادٍ، وَقَدْ أَكْثَرْنَا مِنْ أَمْثِلَتِهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ، وَكَذَلِكَ أَجَازَ الْجُمْهُورُ تَخْصِيصَ الْمَنْطُوقِ بِالْمَفْهُومِ كَتَخْصِيصِ عُمُومِ: «فِي أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةٌ»، وَهُوَ مَنْطُوقٌ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فِي حَدِيثِ: «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ»، عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُبَيَّنَ بِاسْمِ الْفَاعِلِ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دُونَ الْمُبَيَّنِ بِاسْمِ الْمَفْعُولِ فِي السَّنَدِ، وَفِي الدَّلَالَةِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي «مَرَاقِي السُّعُودِ» بِقَوْلِهِ:
وَبَيْنَ الْقَاصِرِ مِنْ حَيْثُ السَّنَدْ أَوِ الدَّلَالَةِ عَلَى مَا يُعْتَمَدْ
وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذَا، وَذَكَرْنَا كَلَامَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ.
وَقَدْ يَتَرَجَّحُ عِنْدَ النَّاظِرِ عَدَمُ صَوْمِهَا لِلْمُتَمَتِّعِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ أَنَّ عَدَمَ صَوْمِهَا مَرْفُوعٌ رَفْعًا صَرِيحًا، وَصَوْمُهَا مَوْقُوفٌ لَفَظًا مَرْفُوعٌ حُكْمًا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَالْمَرْفُوعُ صَرِيحًا أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ مِنَ الْمَرْفُوعِ حُكْمًا.
وَالثَّانِي أَنَّ الْجَوَازَ وَالنَّهْيَ، إِذَا تَعَارَضَا قُدِّمَ النَّهْيُ ; لِأَنَّ تَرْكَ مُبَاحٍ أَهْوَنُ مِنِ ارْتِكَابِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَقَدْ يَحْتَجُّ الْمُخَالِفُ، بِأَنَّ دَلِيلَ الْجَوَازِ خَاصٌّ بِالْمُتَمَتِّعِ، وَدَلِيلَ النَّهْيِ عَامٌّ، وَالْخَاصُّ يَقْضِي عَلَى الْعَامِّ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنْ أَخَّرَ صَوْمَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ، عَنْ يَوْمِ


الصفحة التالية
Icon