عَرَفَةَ فَقَدْ فَاتَ وَقْتُهَا، عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ لَا يَصُومُهَا الْمُتَمَتِّعُ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَصُومُهَا إِنَّمَا يَخْرُجُ وَقْتُهَا بِانْتِهَاءِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهَلْ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا بَعْدَ ذَلِكَ؟ لَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ نَصًّا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَلَا مِنْ سُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَالْعُلَمَاءُ مُخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَقْضِيهَا فَيَصُومُ عَشَرَةً، وَمَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ اخْتَلَفُوا، هَلْ يُفَرِّقُهَا فَيَفْصِلُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالْعَشَرَةِ، بِمِقْدَارِ مَا وَجَبَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا فِي الْأَدَاءِ، لَوْ لَمْ تَفُتْ فِي وَقْتِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَقْدِيمَ الثَّلَاثَةِ عَلَى السَّبْعَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَقْتِ، فَلَمْ يَسْقُطْ كَتَرْتِيبِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ، أَوْ لَيْسَ عَلَيْهِ تَفْرِيقُهَا، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ الْعَشَرَةَ كُلَّهَا مُتَوَالِيَةً، بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّفْرِيقَ وَجَبَ بِحُكْمِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ، وَقَدْ فَاتَ، فَسَقَطَ كَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ الَّتِي فَاتَتْ أَوْقَاتُهَا، فَإِنَّهَا تُقْضَى مُتَوَالِيَةً لَا مُتَفَرِّقَةً عَلَى أَوْقَاتِهَا حَسَبَ الْأَدَاءِ لَوْ لَمْ تَفُتْ، وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ فِي الصَّوْمِ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَعَدَمُهُ: مَذْهَبُ أَحْمَدَ، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالُوا: بِلُزُومِ قَضَاءِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا.
فَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: لَا دَمَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ ; لِأَنَّهُ قَضَى مَا فَاتَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقِيلَ: عَلَيْهِ دَمٌ مَعَ الْقَضَاءِ ; لِأَجْلِ التَّأْخِيرِ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَحْمَدَ. وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ أَخَّرَهُ لِعُذْرٍ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الْقَضَاءُ، وَلَا دَمَ. وَعَنْ أَحْمَدَ: لَا دَمَ مَعَ الْقَضَاءِ بِحَالٍ.
وَقِيلَ: لَا تُقْضَى الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ، بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا، وَيَلْزَمُ الدَّمُ لِسُقُوطِ قَضَائِهَا بِفَوَاتِ وَقْتِهَا، وَلَا يَجُوزُ صَوْمُ السَّبْعَةِ بَعْدَ ذَلِكَ ; لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلثَّلَاثَةِ الَّتِي سَقَطَتْ، وَيَتَعَيَّنُ الدَّمُ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَآخِرُ وَقْتِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَهُ يَوْمُ عَرَفَةَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ يَقُولَانِ: إِنَّ صَوْمَ الثَّلَاثَةِ لِلْعَاجِزِ عَنِ الْهَدْيِ يَجُوزُ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ، فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ صَوْمِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ، وَالْأَفْضَلُ عِنْدَهُ: أَنْ يُؤَخِّرَهَا إِلَى آخِرِ وَقْتِهَا، فَيَصُومَ السَّابِعَ، وَيَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَيَوْمَ عَرَفَةَ. وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ يَرْوِي هَذَا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَعِنْدَ أَحْمَدَ: يَجُوزُ صَوْمُهَا، عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ، وَعَنْهُ: إِذَا حَلَّ مِنَ الْعُمْرَةِ، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: فِي الْحَجِّ يُرَادُ بِهِ: أَشْهُرُهُ. وَقَدْ بَيَّنَّا عَدَمَ ظُهُورِهِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ: لَا يَجُوزُ صَوْمُهَا إِلَّا بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ، وَهَذَا أَقْرَبُ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ، وَهُمَا يَقُولَانِ: يَنْبَغِي تَقْدِيمُهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَالشَّافِعِيُّ يَسْتَحِبُّ إِنْهَاءَهَا قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَإِنْ لَمْ يَصُمْ إِلَى يَوْمِ