وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ «الْبَقَرَةِ»، أَقْوَالَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْمُحْصَرِ إِنْ عَجَزَ عَنِ الْهَدْيِ هَلْ يَلْزَمُهُ بَدَلُهُ، أَوْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بَدَلًا عَنْهُ. وَأَقْوَالَ مَنْ قَالُوا: يَلْزَمُهُ الْبَدَلُ فِي الْبَدَلِ، هَلْ هُوَ الصَّوْمُ، أَوِ الْإِطْعَامُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا.
وَقَدْ عَلِمْتَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ «الْمُغْنِي» أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ: هُوَ قِيَاسُ دَمِ الْفَوَاتِ عَلَى دَمِ التَّمَتُّعِ، كَمَا فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَأَنَّ الْخِرَقِيَّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ قَاسَهُ عَلَى دَمِ جَزَاءِ الصَّيْدِ فَجَعَلَ الصَّوْمَ عَنْ دَمِ الْفَوَاتِ، كَالصَّوْمِ عَنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ، وَأَنَّ مَذْهَبَ أَحْمَدَ أَيْضًا، قِيَاسُ كُلِّ دَمٍ وَجَبَ لِتَرْكِ وَاجِبٍ عَلَى دَمِ التَّمَتُّعِ. فَيَصُومُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَذَلِكَ كَدَمِ الْقِرَانِ، وَتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ لَيَالِيَ مِنًى بِهَا. وَطَوَافِ الْوَدَاعِ. وَكَذَلِكَ قِيَاسُ صَوْمِ مَنْ عَجَزَ عَنِ الْبَدَنَةِ فِي حَالِ إِفْسَادِ حَجِّهِ بِالْجِمَاعِ، فَهُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ: عَشَرَةُ أَيَّامٍ قِيَاسًا عَلَى التَّمَتُّعِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا نَقْلَ صَاحِبِ «الْمُغْنِي» لِذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَعَدَمَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِمْ لَهُمْ.
وَعَنْ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ: تَقْوِيمُ بَدَنَةِ الْمُجَامِعِ الْعَاجِزِ بِالدَّرَاهِمِ، فَيَشْتَرِي بِهَا طَعَامًا إِلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ. وَأَنَّ مَذْهَبَ أَحْمَدَ: قِيَاسُ كُلِّ دَمٍ وَجَبَ بِفِعْلِ مَحْظُورٍ، كَاللُّبْسِ، وَالطِّيبِ، وَتَقْلِيمِ الْأَظَافِرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ عَلَى فِدْيَةِ الْأَذَى.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ قِيَاسَ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ عَلَى فِدْيَةِ الْأَذَى: مُجْمَعٌ عَلَيْهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، إِلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ. يُخَصِّصُهُ بِمَا فُعِلَ لِلْعُذْرِ، وَيُوجِبُ الدَّمَ دُونَ غَيْرِهِ، فِيمَا فُعِلَ مِنْ ذَلِكَ لَا لِعُذْرٍ، كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ.
وَأَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي دَمِ الْفَوَاتِ، فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا: قِيَاسُهُ عَلَى دَمِ التَّمَتُّعِ، فِي التَّرْتِيبِ، وَالتَّقْدِيرِ، وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ.
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَدَمِ التَّمَتُّعُ أَيْضًا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَدَمِ الْجِمَاعِ فِي الْأَحْكَامِ، إِلَّا أَنَّ هَذَا شَاةٌ، وَالْجِمَاعُ بَدَنَةٌ لِاشْتِرَاكِ الصُّورَتَيْنِ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا حُكْمَ الْمُجَامِعِ الْعَاجِزِ عَنِ الْبَدَنَةِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مَاذَا يَلْزَمُهُ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي الدَّمِ الْوَاجِبِ بِسَبَبِ تَرْكِ بَعْضِ الْمَأْمُورَاتِ كَالْإِحْرَامِ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَالرَّمْيِ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إِلَى الْغُرُوبِ، وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ، وَبِمِنًى لَيَالِيَ مِنًى، وَطَوَافِ الْوَدَاعِ هُوَ أَنَّ فِي ذَلِكَ أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ، أَصَحُّهَا: أَنَّهُ كَدَمِ التَّمَتُّعُ أَيْضًا فِي التَّرْتِيبِ،


الصفحة التالية
Icon