الْمُؤَذِّنِ وَتَسْلِيمَهُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ كَالْأَذَانِ، وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّهُ مَا أُمِيتَتْ سُنَّةٌ إِلَّا وَنَشَأَتْ بِدْعَةٌ، وَأَنَّ قِيَاسَ الْمُؤَذِّنِ عَلَى السَّامِعِ لَيْسَ سَلِيمًا.
وَتَقَدَّمَ لَكَ أَنَّ مُحَاكَاةَ الْمُؤَذِّنِ لِرَبْطِ السَّامِعِ بِالْأَذَانِ ; لِيَتَجَاوَبَ مَعَهُ فِي مَعَانِيهِ، وَلَوْ قِيلَ: إِنَّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يُصَلِّيَ وَيُسَلِّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِرًّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْأَذَانِ، وَأَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ الْوَسِيلَةَ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُشَارِكَ فِي الْأَجْرَيْنِ: أَجْرِ الْأَذَانِ، وَأَجْرِ سُؤَالِ الْوَسِيلَةِ لَكَانَ لَهُ أَجْرٌ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ فِي الْأَذَانِ
اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَلْفَاظِ الْأَذَانِ، وَحَكَاهَا الشَّوْكَانِيُّ عَنِ الْعِتْرَةِ، وَنَاقَشَ مَقَالَتَهُمْ وَآثَارَهَا بِأَسَانِيدِهَا.
وَمِمَّا جَاءَ فِيهَا عِنْدَهُمْ أَثَرٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يُؤَذِّنُ بِهَا أَحْيَانًا.
وَمِنْهَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ.
ثُمَّ قَالَ: وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ بِأَنَّ أَحَادِيثَ أَلْفَاظِ الْأَذَانِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِمَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.
قَالُوا: وَإِذَا صَحَّ مَا رُوِيَ أَنَّهُ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ فَهُوَ مَنْسُوخٌ بِأَحَادِيثِ الْأَذَانِ لِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِيهَا.
وَقَدْ أَوْرَدَ الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثًا فِي نَسْخِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ مِنْ طَرِيقٍ لَا يَثْبُتُ النَّسْخُ بِمِثْلِهِ. اهـ. مُلَخَّصًا.
وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ جَمْعِ الْفَوَائِدِ حَدِيثًا عَنْ بِلَالٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يُؤَذِّنُ لِلصُّبْحِ فَيَقُولُ: حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَهَا الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، وَتَرَكَ حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ، وَقَالَ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِضَعْفٍ. اهـ.
وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ أَثَرُ بِلَالٍ هَذَا هُوَ الَّذِي عَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَعَلَى كُلٍّ فَهَذَا الْأَثَرُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا فَإِنَّهُ مَرْفُوعٌ، وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِالْمَنْعِ مِنْهَا، وَعَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَغَيْرُهُمْ إِلَّا مَا عَلَيْهِ الشِّيعَةُ فَقَطْ.
وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، فَإِنَّ مَعْنَاهَا لَا يَسْتَقِيمُ مَعَ بَقِيَّةِ النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ،