ما أقبح التقليد والقول المتقبل بغير برهان، وما أعظم كيد الشيطان للمقلدين حين استدرجهم إلى أن قلدوا آباءهم في عبادة التماثيل وعفروا لها جباههم، وهم معتقدون أنهم على شيء، وجادّون في نصرة مذهبهم، ومجادلون لأهل الحق عن باطلهم، وكفى أهل التقليد سبة أنّ عبدة الأصنام منهم.
(أَنْتُمْ) من التأكيد الذي لا يصح الكلام مع الإخلال به، لأنّ العطف على ضمير هو في حكم بعض الفعل ممتنع. ونحوه: (اسكن أنت وزوجك الجنة)] البقرة: ٣٥ [، أراد أن المقلدين والمقلدين جميعا، منخرطون في سلك ضلال لا يخفى على من به أدنى مسكة، لاستناد الفريقين إلى غير دليل، بل إلى هوى متبع وشيطان مطاع، لاستبعادهم أن يكون ما هم عليه ضلالا.
(قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ) [الأنبياء: ٥٥].
بقوا متعجبين من تضليله إياهم، وحسبوا أن ما قاله إنما قاله على وجه المزاح والمداعبة، لا على طريق الجدّ، فقالوا له: هذا الذي جئتنا به، أهو جدّ وحق، أم لعب وهزل؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقول: لم قيل: لها، وكان الواجب: عليها؟ وأجاب: أن ذلك ليس للتعدية، بل للبيان؛ إذ لو أراد التعدية لعداه بما يختص به من الجار به. والحاصل أن مقام المبالغة اقتضى أن يترك عاكفون على إطلاقه، سواءٌ كان المتعلقُ مفعولاً بواسطةٍ أو بغير واسطة.
الجوهري: عكفه: أي: حبسه ووقفه، يعكفُ عكفاً، ومنه قوله تعالى: (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً) [الفتح: ٢٥]، وعكف على الشيء يعكفُ عكوفاً، أي: أقبلَ عليه مواظباً.
قوله: (ومجادلون لأهل الحق)، ضمن "مُجادلون" معنى الدفع؛ ولذلك عُدِّي بـ"عَنْ".
قوله: (هذا الذي جئتنا به أهو جدٌّ وحقٌّ، أم لعبٌ وهزل؟ )، فإن قلت: ما الفرقُ بينَ هذا القول وبينَ قولِ صاحبِ "المفتاح": أجددتَ تعاطي الحقِّ أم أحوالِ الصبا بعدُ على الاستمرار؟