ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قلت: نظر صاحبُ "المفتاح" إلى ما يلي حرف الاستفهام ومعادلتها، فأوقع السؤال على التجدد والاستمرار، ونظر المصنفُ إلى متعلقهما وهو الحقُّ واللعب، وإلى ظاهر الجواب قال: (بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) فأوقع السؤال على ما يطابقه، أي: ما جئت إلا بالحق الساطع، وهو الذي لا تُنكرونه أنتم ولا آباؤكم الأقدمون. ويمكن أن يُوجه قولُ صاحب "المفتاح" بأن يُقال: ما جددتُ شيئاً بل جئتُ بما استمر عليه آباؤكم الأولون، وأنتُم لا تُنكرونه إذا تركتم العناد.
وقلت: والذي عليه النظمُ المعجز حملُ "أم" في قوله: (أَمْ أَنْتَ مِنْ اللاَّعِبِينَ) على المنقطعة لا المتصلة، كما عليه اهرُ كلام هذين البحرين؛ لأن هذا الاستفهام وقع في مقام المقاولة بين خليل الله عليه السلام وبين أعداءِ الله، فإنه عليه السلام لما قال لأبيه وقومه: (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) استجهالاً لهم؛ حيث جاء بما الاستفهامية التي تُستعملُ غالباً بما لا معرفة فيه ولا علم، وضم معه لفظة (هذِهِ) التي تدُل على تحقير شأن المشار إليه في مثل هذا المقام، وجعلها تماثيل صور لا يعتد بها من له مسكةٌ، بالغ في إبطال عبادة تلك التماثيل، وكما نسبها إلى الإفراط في الحقارة، نسبهم إلى الإفراط في العُكوف لها حيثُ قال: (أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) بالضمير المرفوع وبناء الخبر عليه المفيد لتقوي الحكم وتخصيص العكوف بالذكر. ولما لم يكن جوابهم إلا أن قالوا: (قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ) ضللهم وجعلهم منغمسين في الضلال بالجملة القسمية، وقرن آباءهم معهم، وأكد الضمير المرفوع، ووصف الضلال بالمبين، ولما سمعوا منه هذه الغلظة، وشاهدوا هذا الجد، طلبوا منه البرهان، يعني: هب أنا قد قلدنا آباءنا فيما نحن فيه، فهل معك دليلٌ على ما ادعيت أجئتنا بالحق، ثم أضربوا عن ذلك، وجاءوا بأم المتضمنة لمعنى بل الإضرابية والهمزة للتقرير، فأضربوا بـ "بل" عما أثبتوا له، وقرروا بالهمزة خلافه على سبيل التوكيد والبت والقطع، وذلك أنهم قطعوا أنه