(قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) [الأنبياء: ٥٦].
الضمير في (فَطَرَهُنَّ) للسماوات والأرض. أو للتماثيل، وكونه للتماثيل أدخل في تضليلهم، وأثبت للاحتجاج عليهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لاعبٌ وليس بمحقٍّ البتةَ؛ لأن إدخالهم إياه في زُمرة اللاعبين، أي: أنت غريقٌ في اللعب، داخلٌ في زُمرة الذين قُصارى أمرهم في إثبات الدعاوى اللعبُ واللهوُ على سبيل الكناية الإيمائية، دل على إثبات ذلك بالدليل والبرهان. وهذه الكناية توقفك على أن "أمْ" لا يجوز أن تكون متصلة قطعاً، وكذا "بل" في قوله: (بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ).
وهذا الجواب واردٌ على الأسلوب الحكيم، وكان من الظاهر أن يجيبهم بقوله: بل أنا من المحقين وليستُ من اللاعبين، فجاء بقوله: (بَل رَبُّكُمْ) الآية؛ لينبه به على أن إبطالي لما أنتم عاكفون عليه وتضليلي إياكم مما لاحاجة فيه لوضوحه إلى الدليل، ولكن انظروا إلى هذه العظيمة، وهي أنكم تتركون عبادة خالقكم ومالك أمركم، ورازقكم ومالك العالمين، والذي فطر ما أنتم لها عاكفون، وتشتغلون بعبادتها دون، فأي باطل أظهر من ذلك؟ وأي ضلال أبين من هذا؟ ثم ذيل الجواب بما هو مقابلٌ لقولهم، وهو قوله: (وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ) من حيث الأسلوب، وهي الكناية، ومن حيث التركيب، وهو بناء الخير على الضمير أي: لست من اللاعبين في الدعاوى، بل أنا من القائمين فيها بالبراهين القاطعة، والحجج الساطعة، كالشاهد الذي تُقطعُ به الدعاوى، وبه يتقوى قول المصنف: "كونُ الضمير للتماثيل أدخلُ في تضليلهم، وأثبتُ للاحتجاج عليهم"، قال القاضي: (قَالَ بَل رَبُّكُمْ): إضرابٌ عن كونه لاعباً بإقامة البرهان على ما ادعاه. وقال: معنى (مِنْ الشَّاهِدِينَ): من المحققين له، والمبرهنين عليه، فإن الشاهد من يحقق الشيء.


الصفحة التالية
Icon