وتسكت، حتى تذكر شيئا مما يسمع. وأمّا الثاني فليس كذلك. فإن قلت: (إِبْراهِيمُ) ما هو؟ قلت: قيل هو خبر مبتدأ محذوف، أو منادى. والصحيح أنه فاعل "يقال"، لأن المراد الاسم لا المسمى (عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ) في محل الحال، بمعنى معاينا مشاهدا، أى: بمرأى منهم ومنظر. فإن قلت: فما معنى الاستعلاء في "على"؟ قلت: هو وارد على طريق المثل، أى: يثبت إتيانه في الأعين ويتمكن فيها ثبات الراكب على المركوب وتمكنه منه (لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ) عليه بما سمع منه. وبما فعله أو يحضرون عقوبتنا له. روى أنّ الخبر بلغ نمروذ وأشراف قومه، فأمروا بإحضاره.
(قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ (٦٢) قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) [الأنبياء: ٦٣].
هذا من معاريض الكلام ولطائف هذا النوع لا يتغلغل فيها إلا أذهان الراضة من علماء المعاني. والقول فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولا يكونُ ذلك إلا مسموعاً، كقولك: سمعتُ زيداً يقولُ كذا، أي: سمعتُ قول زيد. وعند المصنف: "يقولُ كذا" حالٌ عن المفعول.
قوله: (هو خبرُ مبتدأ محذوفٍ أو مُنادى)، والصحيح أنه فاعل (يُقالُ)؛ لأن المراد الاسم لا المسمى، أي: يقالُ له هذا اللفظُ. هذا التعليلُ يؤذن أن في الوجهين الأولين ليس المراد منه الاسم، قال صاحب "الفرائد": قوله: (لَهُ) إما أن يكون بالخطاب، كقولك: قلتُ لزيدٍ إذا خاطبته، فكان منادى، كأنه قيل: يقال له: يا إبراهيم، إذ نودي، أو بالغيبة، كقولك: قلت لزيدٍ، إذا قلت في بابه من غير أن يكون مخاطباً، فكأنه قيل: إذا أُخبر عنهُ يقال: هو إبراهيم، وإذا كان المراد من إبراهيم اللفظ فلابد من اعتبار التسمية في قوله: (يُقَالُ لَهُ) كأنه قيل: يُسمى إبراهيم، ويمكن أن يكون (عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ): حالاً من الفاعل، أي: فأتوا به عارضين على أعينِ الناس، أو ناوين العرض، او مُريدين العرضَ.


الصفحة التالية
Icon