ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مُتضررةٌ بالكسر، وإليه الإشارة بقوله: "وهؤلاء مع تقاصُرِ حالها عن حال الحيوان الناطق معبودةٌ مضارةً منهم"، وهو معنى قوله: (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ)، أي: اشتهر عند كل واحدٍ أن هذه الآلهة لا تتحدث، والتاءُ في علمت خطابٌ لكل أحدن ويدل على قولهم: "هؤلاءِ معبودةٌ" قوله: (أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) لما ادعوه من عبادتهم لها مع كونها غير قادرة.
وأما الثاني فهو عبارة عن انقلابهم من الفكرة الفاسدة إلى الصحيحة، وإليه الإشارةُ بقوله: "انتكسوا عن كونهم مُجادلين لإبراهيم عليه السلام مُجادلين عنه"، أي: أنهم جادلوا إبراهيم عليه السلام أولاً في قولهم: (أَأَنْتَ فَعَلْتَ) ونحوه، ثم انقلبوا فصاروا مُجادلين عنه ذابِّين بقولهم: (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ)، فهذا يدل على أنها لا تنطق، ولا تصلح للإلهية، وهذا أوفق لما في الكتاب، فاللامُ في قوله: "مجادلين لإبراهيم" كاللام في مثل: أنا ضاربٌ لزيدٍ، أو أنهم جادلوا قومهم ذابين عن إبراهيم مُجادلين لأجله حين قالوا: (إِنَّكُمْ أَنْتُمْ الظَّالِمُونَ)، لا إبراهيم، ثم انقلبوا عن هذه المجادلة لأجله بقولهم: (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ)، فكيف يأمرنا بالسؤال عنها؟ فهذا جدال مع إبراهيم، فقد انقلبوا عن الدفع عنه إلى المجادلة معه؛ إذ المرادُ: لقد علمت أنهم لا ينطقون فكيف تأمرنا بالسؤال عنهم؟ وأشار إليه في تفسير "اللُّباب".
وأما على الثالث فالمعنى: أنهم لما رجعوا إلى أنفسهم، وتفكروا زمانا ًطويلاً، عرفوا الحق فقُلبوا على رؤوسهم لفرط خجلهم قائلين: والله لقد صدق إبراهيمُ فيما قال، وعلمت- أيها المخاطبُ- ما هؤلاء ينطقون، وهو المراد من قوله: "فما أحاروا جواباً إلا ما هو حجةٌ عليهم" لاعترافهم بعدم قدرة آلهتهم على النطق المستلزم لعجزهم. وعلى هذا الوَجه والوَجْهِ الذي قبله: على تقدير أن يكون اللامُ في "إبراهيم" صلةً ينطبقُ قوله: (وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمْ الأَخْسَرِينَ)؛ لأنه تذييلٌ لهذا المعنى كما سيجيءُ.