لفرط إطراقهم خجلا وانكسارا وانخزالا مما بهتهم به إبراهيم عليه السلام، فما أحاروا جوابا إلا ما هو حجة عليهم. وقرئ: "نكسوا"، بالتشديد. و"نكسوا"، على لفظ ما سمى فاعله، أى: نكسوا أنفسهم على رؤسهم. قرأ به رضوان ابن عبد المعبود.
(قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ (٦٦) أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) [الأنبياء: ٦٦ - ٦٧]
(أُفٍّ) صوت إذا صوّت به علم أنّ صاحبه متضجر، أضجره ما رأى من ثباتهم على عبادتها بعد انقطاع عذرهم وبعد وضوح الحق وزهوق الباطل، فتأفف بهم. واللام لبيان المتأفف به. أي: لكم ولآلهتكم هذا التأفف.
(قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٦٨) قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (٦٩) وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) [الأنبياء: ٦٨ - ٧٠].
أجمعوا رأيهم - لما غلبوا - بإهلاكه: وهكذا المبطل إذا قرعت شبهته بالحجة وافتضح، لم يكن أحد أبغض إليه من المحق، ولم يبق له مفزع إلا مناصبته، كما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وانخزالاً)، الجوهري: انخزل الشيءُ: انطقع. والاختزالُ: الانقطاع.
قوله: (فما أحاروا جواباً)، الجوهري: المحاورةُ: المجاوبةُ، يقال: كلمته فما أحار إليَّ جواباً، وما رجع إلى حويراً ولا حواراً، أي: ما رد جواباً.
قوله: (إلا ما هو حجةٌ عليهم)، هو من أسلوب قوله: ما معه من العقل شيءٌ إلا ما يوجب الحجة عليه، وهو المسمى بالرجوع.
قوله: (واللام لبيان المتأفف به)، وأنشد صاحب "المُطلِع":

أفا وتُفا لمن مودته إن غبتُ عنه سويعةً زالت
قوله: (إلا مناصبته). الجوهري: نصبتُ لفلانِ نصباً: إذا عاديته، وناصبته الحرب مناصبةً.


الصفحة التالية
Icon