عشرة سنة. واختاروا المعاقبة بالنار لأنها أهول ما يعاقب به وأفظعه، ولذلك جاء: «لا يعذب بالنار إلا خالقها» ومن ثم قالوا (إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) أى إن كنتم ناصرين آلهتكم نصرا مؤزرا، فاختاروا له أهول المعاقبات وهي الإحراق بالنار، وإلا فرّطتم في نصرتها. ولهذا عظموا النار وتكلفوا في تشهير أمرها وتفخيم شأنها، ولم يألوا جهدا في ذلك. جعلت النار لمطاوعتها فعل الله وإرادته كمأمور أمر بشيء فامتثله. والمعنى: ذات برد وسلام، فبولغ في ذلك. كأن ذاتها برد وسلام. والمراد: ابردى فيسلم منك إبراهيم.
أو ابردى بردا غير ضارّ. وعن ابن عباس رضى الله عنه: لو لم يقل ذلك لأهلكته ببردها.
فإن قلت: كيف بردت النار وهي نار؟ قلت: نزع الله عنها طبعها الذي طبعها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نمروذُ وأخرج إبراهيم عليه السلام من النار وأحضره عنده فأكرمه وألطفَ له القول فقال: إني مُقربٌ إلى إلهك.
قوله: (ومن ثم قالوا: إن كنتم فاعلين)، تعليلٌ لقوله: واختاروا المعاقبة بالنار؛ لأنها أهولُ، وإنما أفاد هذا المعنى اتحادُ الشرط والجزاء؛ لأن قوله: (إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ) جزاؤه ما دل عليه قوله تعالى: (حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا) نحو قوله: من أدرك الصمان فقد أدرك، أي: أدرك مرعاً بالغاً في شأنه، وإليه الإشارة بقوله: "إن كنتم ناصرين آلهتكم نصراً مؤزراً فاختاروا له أهول المعاقبات وهي الإحراقُ بالنار"، ألا ترى كيف أتى في الشرط من معاني الجزاء، وفي الجزاء عكس؟
قوله: (نصراً مؤزراً). النهاية: مؤزراً، أي: بالغاً شديداً، يقال: أزره وآره: إذا أعانه وأسعده، من الأزر: القوة والشدة.
قوله: (ولم يألوا جُهداً)، الجوهري: ألا يألو، أي: قصر، وفلانٌ لا يألوك نُصحاً، فهو آلٍ. وحكى الكسائي عن العرب: أقبل يضربه لا يأل، يريد يألو، فحذف.


الصفحة التالية
Icon