عليه من الحرّ والإحراق، وأبقاها على الإضاءة والاشتعال كما كانت، والله على كل شيء قدير. ويجوز أن يدفع بقدرته عن جسم إبراهيم عليه السلام أذى حرّها ويذيقه فيها عكس ذلك، كما يفعل بخزنة جهنم، ويدل عليه قوله (عَلى إِبْراهِيمَ) وأرادوا أن يكيدوه ويمكروا به، فما كانوا إلا مغلوبين مقهورين غالبوه بالجدال فغلبه الله ولقنه بالمبكت، وفزعوا إلى القوّة والجبروت، فنصره وقوّاه.
(وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ) [الأنبياء: ٧١].
نجيا من العراق إلى الشام. وبركاته الواصلة إلى العالمين: أن أكثر الأنبياء عليهم السلام بعثوا فيه فانتشرت في العالمين شرائعهم وآثارهم الدينية وهي البركات الحقيقية. وقيل: بارك الله فيه بكثرة الماء والشجر والثمر والخصب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ويدل عليه قوله: (عَلَى إِبْرَاهِيمَ))، وذلك من وضع المُظهر موضع المضمر، أي: كرامةً لهذا المسمى، قيل: لأنه على الوجه الأول لم يكُن بردُها مخصوصاً بإبراهيم، فلا يكونُ للتخصيص بقوله (عَلَى إِبْرَاهِيمَ) وجهٌ، وفيه بحث.
قوله: (وأرادوا أن يكيدوه ويمكروا به)، تفسيرٌ لقوله تعالى: (وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً)، وهو تذييلٌ للكلام السابق وفيه كيدان، الكيدُ الأول: قولهم: (أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ) لما سبق أنهم ما سألوا ذلك عنه ليُقر بأن كسر الأصنام قد كان، بل ليُقر بأنه منه، فألهمه الله ما يبكتهم به، ويجعلهم خاسرين بقوله: (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا) إلى آخره، وهو المراد من قوله: "غالبوه بالجدال فغلبه الله تعالى"، والكيدُ الثاني: قولهم بعد ما ألقمهم الحجر: (حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ). فأوحى الله تعالى إلى النار أن (كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ) فجعلهم خاسرين بأن افتضحوا حتى نذر نُمروذُ بأن يُقرب إلى الله تعالى القرابين، وهو المراد من قوله: "وفزعوا إلى القوة والجبروت فنصره"، وقال: "فزعوا إلى القوة والجبروت"، بناءً على قول قبل هذا: "اجمعوا رأيهم لما غُلبوا بإهلاكه"، وهكذا المبطل إذا قُرعت شبهته بالحجة لم يبق له مفزعٌ إلا مناصبته، فالتنكير في (كَيْداً) للنوع، أي: النوع العظيم من الكيد، المطلقُ محمولٌ على المقيد، ولهذا قُيد بالكيدين المذكورين.