لطلبوا إلى من له الملك والربوبية سبيلا بالمغالبة، كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض، كقوله (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا) [الإسراء: ٧] وقيل: لتقرّبوا إليه، كقوله (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ). (عُلُوًّا) في معنى تعاليا. والمراد البراءة عن ذلك والنزاهة. ومعنى وصف العلوّ بالكبر: المبالغة في معنى البراءة والبعد مما وصفوه به.
[(تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيمًا غَفُورًا)].
والمراد أنها تسبح له بلسان الحال، حيث تدل على الصانع وعلى قدرته وحكمته، فكأنها تنطلق بذلك، وكأنها تنزه الله عز وجلّ مما لا يجوز عليه من الشركاء وغيرها. فإن قلت: فما تصنع بقوله (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) وهذا التسبيح مفقوه معلوم؟ قلت: الخطاب للمشركين، وهم وإن كانوا إذا سئلوا عن خالق السموات والأرض قالوا: الله، إلا أنهم لما جعلوا معه آلهة مع إقرارهم، فكأنهم لم ينظروا ولم يقرّوا،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن الإعطاء مخصوص بإتيانه غير مرجو بدونه، فلو لم يُذكر لم يُفهم الاختصاص.
قوله: (إلى من له الملك والربوبية)، وضع المُلك والربوبية موضع العرش على الكناية، كما سيجيء في سورة "طه" في قوله: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه: ٥].
قوله: (كقوله: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا) [الأنبياء: ٢٢]، وحاصله يرجع إلى دليل التمانع، كما سيجيء في سورة الأنبياء.
قوله: (لتقربوا إليه)، أي: معنى (لابْتَغَوْا): لتقربوا إلى ذي العرش، قال صاحب "الفرائد": من تقرب إلى الغير وطلب الوسيلة لم يصلح لأن يُطلق عليه لفظ الإله، ومعنى كونهم آلهة منافٍ لذلك المعنى، على هذا، لو كان معه آلهة لم يكونوا آلهةً، بل عباد محتاجون إليه، فيلزم عدم الشيء على تقدير وجوده، ويُمكن أن يُجاب: لما كان عدم الشيء على تقدير وجوده مُحالاً، وهو لازم للتقدير، وهو كون الآلهة معه، فكان مُحالاً


الصفحة التالية
Icon