(التي هي أحسن) بقوله (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَا يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَا يُعَذِّبْكُمْ) يعنى يقولوا لهم هذه الكلمة ونحوها، ولا يقولوا لهم: إنكم من أهل النار وإنكم معذبون وما أشبه ذلك مما يغيظهم ويهيجهم على الشر. وقوله (إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) اعتراض، يعنى يلقى بينهم الفساد ويغرى بعضهم على بعض ليقع بينهم المشارّة والمشاقة (وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا) أي ربا موكولا إليك أمرهم تقسرهم على الإسلام وتجبرهم عليه، وإنما أرسلناك بشيرا ونذيرا فدارهم ومر أصحابك بالمداراة والاحتمال وترك المحاقة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الطريقة، وأن يستنوا بسنته، وذلك أنهم لما أنكروا البعث إنكاراً بليغاً بقولهم: (أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً) أمره بأن يجيبهم بقوله: (قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً)، أي: لابد من البعث للجزاء الموعود، ولا مجال للاستبعاد، إذ لو صرتم أبعد شيء من الحياة فإنكم مبعوثون له، كقوله تعالى: (إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) [يونس: ٤] إلى آخره، وعند ذلك لابد أن يقولوا: هب أنه كذلك، فمن الذي يقدر على هذا الأمر العظيم؟ فأُمر بأن يجيبهم بقوله: هو الذي شاهدتم منه أعظم من هذا، وهو إخراجكم من العدم إلى الوجود. ثم إنهم إذا قالوا مستهزئين: سلمنا ذلك، فمتى إرساؤها؟ فقل لهم: (عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي) ولعل مجيئها قد قرُب، لكن أمارتها: (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ) له. وأما حُسنُ هذه الأجوبة وسلوك طريقة اللين فيها فإنهم ما أوردوا تلك الأسئلة للاسترشاد، بل للعناد والاستهزاء البليغ والانحراف عن الطريق المستقيم، لكن أخرجت الأجوبة على منوال الجد والطريق السوي، وعدم المبالاة بالاستهزاء أو الإنكار.
قوله: (المشارة)، المفاعلة، من الشر. الجوهري: المشارة: المخاصمة.
قوله: (وترك المحاقة)، الجوهري: حاقه: إذا خاصمه وادعى كل واحدٍ منهما الحق، فإذا غلبه قيل: حقه.


الصفحة التالية
Icon