فكأنه قيل: يحرصون أيهم يكون أقرب إلى الله، وذلك بالطاعة وازدياد الخير والصلاح، ويرجون، ويخافون، كما غيرهم من عباد الله فكيف يزعمون أنهم آلهة؟ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ حقيقا بأن يحذره كل أحد من ملك مقرّب ونبيّ مرسل، فضلا عن غيرهم.
[(وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذابًا شَدِيدًا كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُورًا)].
(نَحْنُ مُهْلِكُوها) بالموت والاستئصال أَوْ (مُعَذِّبُوها) بالقتل وأنواع العذاب. وقيل: الهلاك للصالحة، والعذاب للطالحة. وعن مقاتل: وجدت في كتب الضحاك بن مزاحم في تفسيرها: أما مكة فيخربها الحبشة، وتهلك المدينة بالجوع، والبصرة بالغرق، والكوفة بالترك، والجبال بالصواعق والرواجف. وأما خراسان فعذابها ضروب، ثم ذكرها بلدا بلدا (فِي الْكِتابِ) في اللوح المحفوظ.
[(وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا)].
استعير المنع لترك إرسال الآيات من أجل صارف الحكمة. و (أن) الأولى:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (كما غيرهم)، أي: كغيرهم، "ما": كافةٌ، أي: كما هو غيرهم.
قوله: (بأن يحذره كل أحدٍ من ملك مقرب)، هذا العمومُ يعطيه معنى التعليل، والعموم الذي في إطلاق قوله: (مَحْذُوراً).
قوله: (والجبال بالصواعق)، وفي الحاشية: الجبال: من الري إلى بغداد.
قوله: (استعير المنع لترك إرسال الآيات)؛ لأن أصل المعنى: وما تركنا إرسال الآيات التي اقترحتها قريش، إلا لأجل علمنا السابق والتقدير الماضي، وهو تأخير أمر من بُعثت إليهم إلى يوم القيامة، ولما كان الصارف وهو العلمُ والتقديرُ قوياً، استُعير المنعُ للترك، وذلك أن المنع حقيقة هو صرف الغير عن فعل يفعله، وذلك في حق الفاعل المختار مُحال، فوجب الحملُ على المجاز.


الصفحة التالية
Icon